الحرية - مترجم عن أوشو  (قائمة المقالات)

 

إن الحرية ظاهرة ثلاثية الأبعاد, البعد الأول قائم على الجانب الجسدي.. فمن الممكن أن تستعبد جسديا و لآلاف السنوات كان البشر يباعون كأي سلعة في السوق... و هذا الجانب من العبودية منتشرا عالميا بعدة نواحي.. فالعبيد لم يكن يحق لهم التمتع بـأي من حقوق الإنسان لأنهم اعتبروا ما دون الإنسانية بدرجة ثانوية مقيدون بقيود العبودية..
و في جميع أنحاء العالم , لم يعتبر جسد المراءة نظيرا لجسد الرجل.... فهي ليست حرة كالرجل..
اعتبرت الزوجة في الصين و لعدة قرون ... بانها احد ممتلكات الزوج... مساوية لأي شيء أخر يمتلكه... و كان له الحق في قتل زوجته دون ان يعاقب, كما يمكنه حرق أي من ممتلكاته و التخلص منه كذلك بالنسبة للزوجة... و لم يكن هناك أي قانون في الصين يحرض على معاقبة الزوج لقتل زوجته... لأنها اعتبرت من دون روح, ليست الا آلية منتجة... ليس لها أي دور في الحياة سوى إنجاب الأطفال.
و لذا كما رأينا بأنه هناك عبودية جسدية, هناك أيضا حرية جسدية ...
و هي بان لا يصنف أي جسد أوطأ من جسد أخر, و لا أن يقيد و يتموضع تحت أي نوع من القيود, و هناك مساواة بين الجميع طالما تعلق الأمر بالجسد..
الا انه إلى يومنا هذا لم تتوصل البشرية إلى هكذا مستوى من الحرية...
و الأساس الذي تبنى عليه الحرية الجسدية, هو أنه ليس هناك أي إمتيازات بين الأسود و الأبيض... و ليس هناك أي امتياز بين جسد المراءة و الرجل.. فيجب أن تعتبر كل الأجساد أطرافا لجسد واحد..
ثم هناك البعد الثاني و هو الحرية من الناحية النفسية...
و هناك القلة القليلة قد تجد فيهم من يمتلك هذه الحرية في العالم..
فإذا كنت محمديا, هندوسيا فليس هناك إمكانية لجعلك حرا نفسيا...
فطريقتنا التي نتبعها لتربية الأطفال لا تعطيهم أي حرية و إنما تجعل منهم عبيدا, عبيدا للعقائد السياسية, الاجتماعية و الدينية... و لا نعطيهم أي فرصة لبناء معتقداتهم بأنفسهم
أو جعلهم يبدأون رحلتهم بفردية..
فنحن نجعل من عقولهم قالبا نحشوه بالعديد من الأشياء التي لا نعرفها حق اليقين و لم نقم باختبارها يوما.. فمعرفة الشيء يجب أن يكون عن يقين من ثم الاختبار يجره الاختيار ما عدى ذلك ليس لنا الحق في التفوه و تصديق كل ما يقال دونما ان نختبره بأي حال...
فالآباء يعلمون أطفالهم عن الله دون معرفة عن أي اله يتحدث ... و يخبرونهم عن الجنة و الجحيم دونما معرفة أو اختبار فلن يكون هناك أي تقييم .. و أطفالك ليس بحاجة لجنتك و جحيمك عشهما كما شئت لكن أعطى الفرصة لأطفالك لاختبار رموز هما لتفهم معانيهما... فجل ما تقوم به تعليم أطفالك أشياء لا تعرفها حق اليقين, فقط تقوم بحشو عقولهم بأشياء تم حشوها لك من قبل والديك و بهذا الحال تستمر عدوى هذا المرض من جيل على جيل..
فالحرية النفسية ستكون شيئا حتميا إذا ما سمح للطفل أن ينمو و مساعدته على نمو استيعابه الفكري .. على أن يكون واعيا و متفهما و يقضا أكثر و أكثر..
لا يجب أن يعقد بأي من العقائد.. و لا أي نوع من الإيمان بل إعطائهم حافزا يجعلهم يبدأون رحلتهم بالبحث عن الحقيقة..
و أول خطوة في هذه الرحلة هي أن تكون لهم الدراية بأن الحقيقة لا يمكن أن تكون إلا بمعرفتها بشكل فردي و شخصي.. و هو الطريق الذي يمنحه الحرية من كل القيود التي تكبله به العبودية..
فالحقيقة لا يمكن استعارتها و تدريسها في الكتب.... و لا أي أحد يمكنه إخبارك بها..
و لكي تتحقق من الحقيقة عليك اختبارها بنفسك , و ستبحث في الوجود لكي تجدها قريبة منك.. إذا ما ترك الطفل متفتحا, متيقضا, متحفزا للبحث عنها عندها ستكون لديه حرية نفسية... تتبعها المسئولية... و عندها سيكون ممتنا لوالديه, ما عدى ذلك سيكون
غاضبا منهم لتحطيمه و سلبه حريته و مليء رأسه بأشياء و أجوبة قبل حتى أن يسأل عنها..
و العالم أجمع يتعايش ذات العبودية النفسية...
و البعد الثالث وهو نهائية الحرية, و هو بمعرفتك بأنك لست الجسد و لا العقل بل وعيا صافيا... و المفتاح لذلك هو التأمل الذي يفصلك عن عالم الجسد و العقل ليوصلك إلى معرفة نفسك كوعيا صافيا .. و هي تلك الحرية النفسية.
و هذه الأبعاد الثلاثة الأساسية من الحرية لكل فرد يتميز بالفردية..

حشود المجتمع لا يمكن ان يكون لهم أي كيان... يجمعهم في روح و عقل و جسد واحد.. فهي ليست الا أسماء... فهذه الجماعة ليست بحاجة للحرية..
عندما يكون كل فرد متفرد بحريته بذاته, تصبح الجماعة أفرادا متحررون و يمكن عندها أن يطلق عليها حرية...
لكننا مفتونون و نعيش عالما مليء بالكلمات ..... متناسين بان الكلمات ليس لها أي أساس أو بنيان.. فكلمة جماعة, مجتمع, دين, معابد ليست الا كلمات ليس لها أي بنيان في باطنها...
و من أحد القصص الرمزية القصيرة... آليس في بلاد العجائب
فبينما كانت آليس في طريقها إلى قصر الملكة, عندما وصلت سألتها الملكة إذا ما
قابلت في طريقها أي رسول مرسل إليها..
فأجابتها آليس .. لا أحد كان في الطريق عند مجيء إلى هنا...
و ظنت الملكة بأن لا أحد شخصا ما, لذا سألتها ... لكن لماذا لم يصل لا أحد إلى الآن؟؟
فحاولت آليس أن توضح للملكة بأن لا أحد لا أحد..!!
و قالت لها الملكة .. لا تتغابي فأنا أعلم أن لا أحد هو لا أحد لكنه لم يصل إلى هنا قبلك و لا بعدك .. يبدو أن خطواته بطيئة..
فأجابتها آليس... أنت مخطئة في هذا الشيء, لا أحد يمشي أسرع مني..
بهذه الطريقة استمر الحوار بأكمله و أصبح لا أحد شخصا ما...
و كان يستحيل لآليس إقناع الملكة بأن لا أحد لا أحد...
فجماعة المجتمع و المجتمع ليست الا كلمات, و إذا تمعنت في ذلك تجد بان الأفراد هم من لهم وجود.. فالجماعة التي تجمع المجتمع فكرة غير صائبة.. لأنه دائما باسم الجماعة
يضحي الأفراد من أجلها..
الأمم تضحي بالأفراد باسم الأمة.. الأمة ليست إلا كلمة..
و الخطوط التي رسمت على الخرائط و قسمت العالم و جعلته متجزئ ليس لها أي وجود على أرض الواقع.. ليست الا لعبة أساسها التقاتل و القتال من اجل خطوط وهمية .
و الملايين من القتلى, ضحوا بأنفسهم من أجلها..
أناس حقيقيون يموتون من أجل خطوط وهمية غير واقعية... و من ثم يصبحوا أبطالا وطنيون..!!
و فكرة المجتمع يجب أن تلغى بالكامل... ما عدى ذلك فستستمر تضحية الأفراد
من أجل أشياء و أسماء وهمية..
و في الحروب الدينية يضحي الأفراد باسم الدين..
فالمحمدي الذي يموت أثناء مقاتلته دفاعا باسم الدين , يصبح عنده الجنة مدخله بيقين, هذا ما يزرعه رجال الدين ... فلو ضحيت بنفسك دفاعا عن دينك فاعلم أن الجنة مرادك بكل ما طابت لك نفسك ..
و الشخص الذي تقتله سيدخل الجنة أيضا, لأنه قتل بأيدي محمدية..
فهذه بمثابة رحلة الحج بالنسبة له, فلذا لا حاجة لك بأن تشعر بالذنب لمجرد القتل باسم الدين.
المسيحيون يجاهدون بحملات صليبية باسم الدين تم فيها قتل الآلاف من البشر و حرقهم أحياء ... لأي غرض؟؟ للدفاع عن الدين باسم المسيحية, البوذية, الهندوسية...
أي من الأسماء قد تمثل أي شكل من الجماعات يضحي باسمها الأفراد...
و في الحقيقة ليس هناك أي حاجة تجعل من هذه الجماعات متواجدة .. فوجود الفرد بذاته يعتبر شيئا كافيا.. لأنه حرية الأفراد تعني الحرية النفسية و الروحية ثم سيكون كل فرد من المجتمع حرا..
فالجماعة هي تجمع لأفراد و ليس العكس...
و من السائد بأن الفرد فقط جزء من الجماعة, الا ان الجماعة ليست الا كلمة رمزية لأفراد تجتمع سوية..
و إذا كنا حقا نرغب بعالم تنشده الحرية, علينا التفهم بأنه باسم الجماعة تمت العديد من المذابح و قد آن الأوان بالتوقف عن ذلك... و كل الأسماء الجماعية يجب أن تفقد عظمتها التي حملتها معها عبر التاريخ.. و القيمة العلية سيحملها الأفراد..
فالحرية الحقيقية لا تعني التحرر من الشيء أو حرية القيام بما ترغب القيام به..
بل الحرية هي تحمل مسئولية كل فرد بان يكون متحدا و مسئولا عن نفسه..
فالحرية ليست مسألة تحررك من شيء فعندها لا تكون معنى للحرية... لطالما تعطى لك من قبل جهة أخرى ... فستكون لها أسبابها .. فالشيء الذي تعتمد عليه و تبنى على أساسه حريتك لا يزال يقيدك و تصبح ملزما و ملتزما به.. و بدونه لا تكون حرا..
و حرية عمل كل ما ترغب به ليست حرية أيضا, لأنه التمني و الرغبات للقيام بشيء
يكون منشأها العقل و من ثم تصبح محصورا و معبودا لقيم مبنية على أسس عقلية..
ان الحرية الحقيقية هي نبع عدم الاختيار... و عندما يكون هناك وعي بعدم الاختيار
فعندها الحرية لا تكون معتمدة أساسا على أشياء و لا على القيام بشيء...
فالحرية التي تلي عدم الاختيار.. هي أن تكون نفسك و لا شيء عدا نفسك..
فالشيء الذي يتضمنه كيانك ولد معك و ليس معتمدا على أي شيء أخر ليتحمل مسئولية وجوده و حريته... لا أحد يمكنه إعطائه لك و لا أحد يمكنه أخذه منك...
السيف بامكانه قطع رأسك لكن ليس بمقدوره قطعك و قطع حريتك..
و يمكن القول بأن كيانك متجذر بحقيقة كونك و مكونك..
فيك ليس له علاقة بما هو حولك و خارجك.. فالحرية من الشيء تعتمد أساسا على
العالم الخارجي.. و الحرية للقيام بأي عمل يعتمد على العالم الخارجي أيضا ..
اما الحرية الكاملة و الصافية و الحقيقية ليس لها أي اعتماد خارجي..
ولدت حرا ... و كل ما تم زرعه فيك ينسيك حقيقتك ... الآلاف من التكيفات و الطبقات التي جعلتك كالدمية المطيعة ... خيوطها في أيادي أشخاص آخرون.. هم المسؤلون
فإذا ما كنت مسيحيا, فأنت كالدمية المعلقة .. خيوطها في أيادي اله لا وجود له, فقط لإعطائك الإحساس بأنه هناك أنبياء و مسيح منتظر ليمثل الله..
فهم لا يمثلون أحدا سوى أنفسهم .. تملكتهم الأنا و يرغبون بتحويلك إلى دمية في أيديهم..
يعطونك الوصايا و ما عليك القيام و التقيد به و يبنون لك شخصية تتوهم بأنه من خلالها
تتوصل إلى القدسية... بأنك مسيحيا, يهوديا, و يتم تعليمك كل المعرفة المزيفة و الجاهزة... و بطبيعة الحال فإن العبء الذي تبدأ بحمله على عاتقك منذ طفولتك
يثقل عليك و يخفي عنك حقيقتك.. و يمكنك التخلص من كل هذه الأعباء التي فصلتك عنها بأن تكون متوحدا مع نفسك و ليس منتميا لأي جماعة اجتماعية..
فعند ولادتك لم تكن الا وعيا صافيا, و الحرية بان تعود إلى حقيقتك التي ولدت بها ..
الحرية هي التجربة النهائية للحياة و ليس هناك شيئا يعلوها...
فليس هناك أسمى من الحرية لتعيش حقوقك الإنسانية.. و تزهو بك لتفتح أزهار المحبة و الرحمة فيك.. فكل ما هو ثمين من زهور الحياة, سيبدأ بالتفتح في كيانك..
و لا تربط بين الحرية و الاستقلال... فالاستقلال يعني أن تكون مستقلا عن شيء معين و
عن شخص ما.. و لا تربط بين الحرية و القيام بكل ما ترغب به...
لأنه أساس الرغبة عقلية و ليست قلبية.. و بذلك تكون معبودا لرغبات عقلك..
فالحرية ببساطة هي أن تكون نفسك و لا شيء عدا نفسك..

f