الصوفية - مترجم عن أوشو  (قائمة المقالات)

 

يسود الاعتقاد بأنه ما لم تكن محمديا فليس بامكانك أن تكون صوفيا ....
الصوفي ليس بحاجة ان يكون محمديا.. الصوفي يمكن ان يتواجد في آي مكان و على آي شكل و هيئة.. لأنه الصوفية هي لب كل الديانات .. فهي ليست شيئا متعلقا بالإسلام و إنما الإسلام متعلقا بها.. ...... الصوفية يمكن لها ان تتواجد بدون الإسلام, و لكن الإسلام لا يمكن ان يتواجد
بدون صوفية..... فعندها سيكون فقط كالجثة, لا تنبض فيه روح الحياة.
و أي ديانة تنبض فيها روح الحياة ... ذلك بسبب الصوفية... و الصوفية بكل بساطة تعني محبة الله, محبة الكل , الوجود, الكون... و هو ان تتلاشى كليا في الكل.
و حينها يصبح الشخص منفتحا قلبه لدعوة الوجود المتكامل للدخول فيه....
و الصوفية ليست محصورة بأي شكلية, ولا عقيدة,مذهب,كنيسة......
المسيح صوفي, محمد, كرشنا, و كذلك بوذا. و هذا أول شئ أريدك ان تتذكره و هو ان الصوفية هي الصميم العميق هي اللب.
و هنا العلاقة خطيرة ليست بالسهلة, لأنك كلما اقتربت من الله كلما لم يعد لك وجود دبت فيه... و فعلا عندما تكون على مقربة منه حينها يصبح لا وجود لك.
و هذا انتحارا..!!! و لكنه انتحارا جميلا... و هو ان تموت في الله أي ان تعيش فعلا ....حتى تموت طوعا في حبه.
عندها لا يصبح لك أي وجود, و لا يكون هناك فيضا لأي نشوة, و هذا الفيض يتواجد فقط عندما لا تكون أنت ..أنت.. أنت العائق, و الصوفية فن إزالة العائق بينك و بين نفسك, بين النفس و النفس, بين النطفة و الكل.
و في إحدى القواميس الفارسية القديمة, عرفت فيه كلمة الصوفي بأنه صوفي ....دون إضافة أو شرح.. أي الصوفي هو الصوفي,
و هذا تعريف جميل لأنه هذه الظاهرة لا تعريف لها.... أي أنها لا تعطيك تعريفا محددا و إنما وضحت لك الكل.... و هي توضح لك بان كلمة صوفي لا يمكن ان تعرف ليس هناك كلمة يمكن ان تعرف بها و لا مرادف لها.
و ليس هناك محالة في تعريفها لغويا, يمكنك ان تعيشها و تعرفها و لكن من خلال العقل و الفكر مستحيل.
فقط بكونك صوفيا يمكنك ان تعلم ما هي, يمكنك ان تتذوق الحقيقة بنفسك و هي متاحة لك, فأنت لست بحاجة للبحت في القواميس و إنما انحت في الوجود.
ذات مرة سمعت هذه القصة و هي .....
طفلا صغيرا كان يلعب في الحديقة و كان خائفا من البلدغ .... نوعية من الكلاب شكله مقزز....
كان يتواجد دائما بالقرب من منزله... و في احد الأيام تسلق الولد السياج ثم أسرع الكلب للولد و لعق وجهه
صرخ الولد و جأت أمه مسرعة في هذه اللحظة... سألت الأم ولدها... حبيبي, هل عضك الكلب..؟؟؟؟
فأجابها... لا.. و لكنه تدوقني.
إذا لم تكن مستعدا لان تعضك الصوفية.. فلست قادرا على تذوقها... و هذا الباب الذي سأفتحه لك هو الباب الذي ستتذوقها من خلاله..
و عندما تتذوق قطرة واحدة من سلسبيل الصوفية فستصبح عطشا للمزيد و أكثر فأكثر...
و للوهلة الأولى.. ستصبح عندك رغبة كبيرة للقاء الله.
و هذا لا يشرح لك عن كينونة الصوفية ... حي انه لا فيلسوف, و لا عالم دينيا, بامكانه ذلك .. فالصوفية تتحدث عن نفسها بنفسها عبر المتصوف .. الصوفي. .... و إذا كنت جاهزا لهذه المغامرة فعندها ستتذوقها... و هذا الشيء سيبدأ ينبض في قلبك.
و ستشعر باهتياج في قلبك و كأن شيئا أصبح صاحيا, واعيا فيه و كأنه كان يغض في نوم عميق من قبل.. و سيكون و كأنه أول مرة يومض فيها نور الشمس في الصباح.. و عندها ستتذوق.
الصوفية نوع مميز من السحر و الجاذبية, و فقط تتناقل من شخص لشخص, و ليس عبر الكتاب و لا يمكن ان تنقل من الكتب المقدسة .
الصوفيون يطلقون عليها سلسلة, و هي تعني ان تنقل من قلب إلى قلب, من شخص إلى شخص, فهي ديانة شخصية جدا جدا..
و لا يمكنك فهمها الا عندما تكون مع معلم مستنير, و ليس هناك طريقا أخر.
و إذا كنت مستعدا لهذه الرحلة البعيدة جدا و القريبة منك... إذا كانت لديك الشجاعة و روح المغامرة, و الأمل في ان تكون كذلك.
لأنه فقط المتصفون بالشجاعة ينجذبون لها..... و هي ليست للجبناء, و لا للمدعين بالمتدينين, و لا للأشخاص الخائفون من الله... بل هي للمحبين لله.
ان الشخص الذي يخاف من الله أبدا لا يتخطى عوالم الدين, ليس بامكانه و ذلك بسبب خوفه.
إذا كنت خائفا من الله فمن أين لك ان تجد الحب؟؟؟ حتى انك لم تحب الله؟؟ عندها من ستحب؟؟ فلن تشعر بالحب أبدا...
إذا كانت علاقتك بالله يتخللها الخوف فعندها هذه لا تعتبر علاقة أو اندماج.
و لكن هذا ما تعلمناه ان نخاف من الله و في الواقع, تعلمنا ان نخاف من كل شئ.... حياتنا مليئة بالذعر و الجبن و الخوف.
الخوف من العقاب, الخوف من الله, الخوف من جهنم.
فبذلك نعتبر على الصراط المستقيم لأننا خائفون.
أي عفة و استقامة هذه التي تستند على الخوف و كيف ستحب الله إذا كان منهج حياتك مستندا على الخوف.
و الحب لا يمكنه ان ينبع من وراء الخوف, من المستحيل حتما,
عندما تحب شخصا فكل الخوف يتلاشى و تتلاشى معه. و عندما تشعر بالخوف يتلاشى الحب, يمكنك ان تكره الشخص إذا كنت تخاف منه, لكن لا يمكنك ان تحبه.
على مر العصور تعلم الإنسان بان يخاف من الله, إلى متى يمكنك ان تتحمل هذا الاله؟؟؟ إلى متى ستعيش و أنت خائفا منه... الخوف لا يمنح الحرية .
و هذه الرحلة لأناس فعلا محبين لله لأنهم يبحثون عن الحقيقة, لديهم الرغبة بالنظر في عينيه. أولا يجب ان تكون معرفته. فهم يريدون المعرفة عن حق و ليس عبر الكتب و لا المعرفة المستعارة. لديهم الرغبة بان يتذوقوها. لديهم الرغبة بلقاء الله, بالنظر في عينيه, لكن عليك أولا ان تنظر في عيني معلمك.
و من هناك ستنطلق و تبدأ الرحلة, و سيكون متفتحا لك, الصوفية ليست الا عذرا, فلن اتحدت عن الصوفية,
بل الصوفية ستتكلم من خلالي.
و الصوفية كلمة جميلة جداااا, لها عدة دلالات و لا انزع إلى أي منها بل كلها تحمل ذات المعنى, و احد الصوفيون القدامى, أبو الحسام, قال عنها... الصوفية كانت ذات مرة حقيقة بدون اسم و الأن أصبحت اسم بدون حقيقة...
و لعدة قرون وجدت الصوفية دونما اسم و إنما كحقيقة... لهذا دائما أقول و كما قلت بان المسيح صوفيا, محمد, و كرشنا. أي شخص وصل لمرحلة معرفة الله يعتبر صوفيا...
و من الغرابة بان تجد ان التصوف في اللغة العربية رمز للصوف..
العلماء فسروا هذا الشيء على ان الصوفيون كانوا يرتدون العباءات الصوفية... هذا صحيح؟؟ و لكن لماذا؟؟؟
لا احد أعطى إجابة لماذا كانوا يرتدون هذه العباءات.
و محمد قال في القرآن بان موسى كان يرتدي العباءة الصوفية عندما قابل الله, عندما كلمه كان يرتديها.... لكن لماذا؟؟؟
هناك رمز و دلالة عميقة و هي ان .. الصوف زي للحيوان و الصوفي يجب عليه ان يكون بريئا ببراءة الحيوان..
أي ان يبلغ البراءة البدائية و هي ان تعلم انك لا تعلم شيئا.
فهو يجب عليه التخلي عن كل الحضارة, الثقافة, و يصبح مرة أخرى حيوانا.
و عندما يصبح هذا الرمز واضحا.... عندما يصبح الإنسان حيوانا أبدا لا يتراجع و إنما يتقدم نحو الأعلى... و عندما يصبح الإنسان حيوانا فهو ليس فقط كحيوان فهذا الشيء ليس محتملا ليس بمقدورك التراجع.
عندما يصبح الإنسان حيوانا يصبح عاقلا, واعيا و لكن وعيه ليس محملا بالي قيد فهو لم يعد بعد الآن هندوسيا و لا محمديا و لا مسيحيا فقط يصبح في تناغم مع الطبيعة و الوجود كأي حيوان.
و هو لم يعد يحمل أي فلسفات و لم يعد يفكر, حالة الا فكر تحمل دلالة العباءات الصوفية.... ان تصبح مثل الحيوان البرئ لا تعلم ما هو خطأ و ما هو الصواب.
عندما تكون بعلم عن ما هو الخطأ و ما هو الصواب تبقى في حالة انقسام, عندما تختار بين شيئين عندها تصبح في حالة كبت.
عندما تخير نفسك بين القيام بشيء و تترك شيء و عندما تقول بان هذا الشيء يجب ان ينجز و هذا لا يجب ....
عندها يصبح هذا الشيء .... إلزاما.., عندها بطبيعة الحال سيصبح عندك كبت.... للشيء الذي أدنت بأنه خاطيء القيام به... و هذا الكبت سيبقى كجزء في داخلك في كينونتك... و يبدأ بضخ السم فيك...
و عاجلا أم أجلا سينفلت منك و سينتقم من شدة كبته.... عندما ينفجر, تصبح كالمجنون حينها.
و على هذا الحال فان كل الناس المتحضرين و المتمدنين, على حافة الجنون... و هذا العالم ليس الا مستشفى كبير للمجانين ...
البعض أصبح فعلا مجنونا... و البعض على حافة الجنون.... و الفرق بينك و بينه هو ليس في النوعية و إنما في الكمية ... فقط في المستوى.... ممكن يكون هو تخطى مستوى الجنون و أنت على أدراجه لاحقا به...
الا تلاحظ ... هذا الشيء الا يبدو لك ظاهرا الجنون الذي حل بالعالم و هو في أدراجه في صعود...
الحيوان لا يختار أبدا و إنما يرضى بما هو عليه و ما هو فيه....
و هذا الرضا .... رضى عن الكل لأنه لا يعرف الاختيار ... و كذلك الصوفي ... فالصوفي ليس له الخيار فهو واعيا دونما اختيار كل ما يحدن له يقبله كهدية من الله ... من يكون حتى يختار.
فهو لا يتق بعقله..... يتق فقط بالعقل الكوني... و لهذا السبب عندما تواجه أي صوفي ستجد براءة الحيوان في عينيه.... في كينونته.
ان تكون حيوانا يعني ان تكون بريئا أي ان لا تحكم على شئ و لا تعلم ما هو أخلاقي و ليس أخلاقي....
و القديس مشابها للحيوان أكثر منك.. و أكثر من أي كائن بشري.... فالبشر لم تعد كائنات طبيعية بالمرة.... أصبحوا كالبلاستيك, متصنعين... و كل حياتهم متكئة على الخداع.. فإذا ما لامست وجه أي شخص...
فلن تلمس وجها... لن تلمس الا قناعه.. و تذكر بان يدك أيضا ليست كما على حقيقتها و إنما مغلفة بقفازات
..... حتى المحبين لا يلمسون بعضهم حتى في الحب لست بريئا, حتى في الحب لا زلت ترتدي هذه الأقنعة..
و لكن عندما تكون في محبة الله, يجب عليك نزع هذه الأقنعة... يجب عليك التخلي عن كل الخدع التي اعتدت عليها في تسيير حياتك...
يجب عليك ان تكون كما أنت, بدون اختيار, كما أنت... و في ضوء هذه البراءة البدائية يبدأ الله بالانحدار نحوك.

في أحد المرات .. كان كاهنا كاثوليكي يدعو يهوديا إلى الإقتداء و الاهتداء و الإيمان.. فقال له ما عليك سوى أن تردد ثلاثة مرات... كنت يهوديا, و الآن أنا كاثوليكي, كنت يهوديا و الآن أنا كاثوليكي, كنت يهوديا أم الآن فانا كاثوليكي.. رددها كالببغاء ببغاء الأغبياء.
ليطمئن الكاهن نفسه و ليتأكد من صحة إيمان اليهودي... قام بزيارته في أحد أيام الجمعة في بيته.. و في هذه الأثناء كان اليهودي يطهو دجاجا مقليا.. انصدم و اصطدم الكاهن بما رأى و قال له ألا تعلم بأنه لا يمكنك أكل الدجاج في أيام الجمعة.. فما كان من اليهودي الا ان رد عليه قائلا نعم..
و لكن عند طهيي للدجاج كنت أغمسه في المقلاة ثلاثة مرات... مرددا
كنت دجاجة أم الآن فانا سمكة..!!!!
و بهذه الطريقة نستمر في العيش و لا نستقر على حال...
و بذلك الديانات كلها.. لا تخترقك و إنما تخنقك أبدا لا تحرك فيك أي شيء بداخلك... و تعلم جيدا بان قولك ليس فعلك.. تقول شيئا و تعمل شيئا أخر.. و تصبح عندها ثلاثي الشخصية.. لست كيانا واحدا أبدا..
و إنما منفصم إلى ثلاثة شخصيات كل لها وجهتها مما يسبب لك الانفصام و الانقسام في كل حال تكون فيه مع نفسك... مما يزرع فيك البؤس.
أما الحيوان فلا يعيش بهذه الطريقة فهو كما هو..
هل تشعر بالنعمة التي يعيشها... و لا يملك ما يربك حاله من قصور و مال و جاه... و بالرغم من ذلك تجده منعم بالسلام, و البهجة.. هل تسألت لماذا؟؟
و ذلك لان الحيوان لا يفرق و لا يختار شيئا عن أخر..
و كذلك الصوفي .. و لكن ما أن تختار ستبدأ رحلة لا نهاية لها من الاحتيار.

و لننظر معا كيف هو الحال مع السيدات و السادة المحترمون و المنحرفون...
في أحد أعياد الهلوين تنكر أحدهم بزي الشيطان, و في طريقه للاحتفال بالعيد ... بدأت الأمطار تتساقط بغزارة.... فلم يجد أي مكان يحتمي فيه..
إلا كنيسة كانت في جانب الطريق.. و عند دخوله للكنيسة فزع كل من كان فيها عند رؤيته ظنا منهم بأنه شيطان!!!!!!!
هربوا و تبعثروا من الكنيسة خوفا منه.. الا سيدة عند ذهابها لأخذ معطفها
تقرب منها ... قالت له و هي متذرعة.. نعم أنا عضوة في هذه الكنيسة لمدة عشرون سنة و لكن أعمالي كانت كلها مخلصة لك..
هذا هو الحال مع السادة المحترفون.. علاقتهم بالله شفهية لا تتعدى
أبعد من الشفاه و أفعالهم و استسلامهم للشيطان مخلصين له قلبا و قالبا...
الشيطان ليس الا وسيلة قمع نتعايشها في صميمنا ... و هذا ما لا يحدث الاتفاق فينا و إنما يؤدي بنا إلى النفاق..
و أحد الرموز الصوفية للحيوان هي البساطة و الثقة في الله بان يعيش في الله و بالله و لله في كل ما يحدث له يقبله و يتقبله و لا يقلبه..
كما أن الصوفية كلمة مشتقة من الصفاء و النقاء.. و ما ان تحيا حياة صافية نقية تحييك و تحيا بها.. و لكن هذا لا يعني أنها تستند على أسس أخلاقية رفيعة أو وضيعة... و أنما التخلق بأخلاق الله...
الصفاء يعني بان تكون صافيا في كل الأفكار, الحالات... في كلتا الحالتين تصفو عن الجيد و السيئ... تصفو إلى حالة الا فكر في ثقتك بالله في الوجود.. و بذلك تسمو إلى تصفية الأفكار .. لأنه في وجودها تختل و تعتل بالشوائب و المصائب.. و بذلك تتعلم و تعلم بأن الله ليس فكرة فلا يصفه أي واصف كيف لأحد أن يكون فكرة عن الله.. فالصوفي لا يعيش الله كفكرة فكرا و إنما ذكرا... كحقيقة في كينونة الوجود... ليس كشخص يجلس على العرش في أعالي السموات بل لا يحده مكان و لا زمان... فهو في كل مكان و زمان... الله أسم جمع و أجتمع فيه كل الوجود..
و لا تخطيء في فهم كلمة الصفاء... فهي تعني عقلا فارغا من كل فكر...
و لكن المتعارف عليه بأنه الشخص ذو الأخلاق الجيدة و الرفيعة الذي يحترم من قبل المجتمع... لا تسيء الفهم فالصوفي لا يحترمه المجتمع ..
لأنه لا يقمع نفسه بما يفرض عليه.. لطالما الصوفيون هم الذين قتلو و صلبو..
و في صفائه يجعلك مدركا للتزييف و التحريف و القبح و الاصطناع الذي تعيشه مع نفسك .. فهو يجردك و ينزع عنك الأقنعة التي اقتنعت بها و قنعتك بها المجتمعات..
استمع معي إلى إحدى الأمثال.. ولا تأخذها على محمل إنها واقعة تاريخية...
إحدى الصوفيون يدعى أبو يزيد و في أثناء صلاته .. تحدث إليه الله..
قائلا له الآن أصبحت أحد المختارين لدي , هل أعلن عن ذلك لمن حولك؟؟ .. ضحك أبو يزيد حينها و رد عليه قائلا نعم, لما لا و لكن إن كنت ترغب بأن أصلب ... أعلن عن ذلك ...
كما أعلنت عن الحلاج .. ماذا حدث له ؟؟ ألم يصلب..
و عندها تكتم الله عن أبو يزيد...

و هذا هو الحال دائما مع من وصل و اتصل..
و ما على الجمهور المتجمهر إلا أن يفصله عن الوجود..

الحلاج و هو من أعظم الصوفيون على الإطلاق.. ذات مرة سأله أحد أصدقائه من ماهية نهاية التجربة الصوفية؟؟ فرد عليه قائلا .. غدا, غدا... ستعلم عن ماهيتها ... و من يعلم ماذا سيحدث اليوم التالي... تعجب سائلا لما ليس اليوم؟ ... رد عليه .. لا تتعجل انتظر و ستعلم غدا..
و في اليوم التالي صلب الحلاج.. و صاح حينها عاليا مناديا... صديقه
أين أنت الآن الا ترغب بمعرفة ماهيتها و نهايتها ها هي أمامك تحدث الآن.؟؟؟
و ما أن تحيا في الله و بالله .. عندها تصبح لا تطاق من بين جماعة المجتمع.. لأنك حينها تصبح في وفاق مع الحقيقة.. و المجتمع يعيش
حالة نفاق.. و الحقيقة لا تطاق بالنسبة له...
الحقيقة دائما تصلب...
فهي كالنار.. و من يختار النار الا الذي كان مستعدا بان يلتهب بلهيبها ...
و كذلك الحال مع منصور و المسيح تعبد و تتعبد عندما تبتعد...
اما عندما تكون قريب... يبدأ بالتنقيب و التغييب ..ثم التصليب.

و أيضا أحد المعاني الجميلة للصوفية ..
المختار ليكون القريب من الله.. حيث أنه لا يمكنك البحث عن الله, لست أنت من تبحث عنه .. بل الله هو الذي يختارك.. كيف يمكنك أن تبحث عنه ما لم يخترك...
فالله هو الذي يبادر بذلك... هو الذي يبحث عنك رغبة منه للقياك.. يتلمس لإيجادك... ما أن يختارك عندها فقط تكون المختار الذي يختار..

الصوفية تعني في اللغة اليونانية.. الحكمة.. و لكن الحكمة ليست مرادفا لكلمة المعرفة .. المعرفة يمكن استعارتها من الكتب المقدسة أو الآخرين..
و إنما الحكمة المعنية هي.... التي تسمو و تعلو في كيانك بنورك تقتدي
بك و فيك..
حكمتك بعلمك ليس بإيمانك..
و المعرفة في حد ذاتها إيمان.. فإذا ما عرف لك شخص عن الله ووصفه و عرفه لك .. تصدق و تؤمن بما يقول على أساس أنها الحقيقة..
و هذه ليست حقيقة و إنما معرفة تعرفت عليها و اعترفت بها و لكنها ليست حقيقة.. فالحقيقة لا تعرف, و إنما تعيشها حتى تتحقق منها.
و الصوفي هو الذي تحقق و تلمس الحقيقة... عند رؤيته لله وجها لوجه..
فعندها الحكمة ترتقي رقيا ذاتيا.. و هذه ليست معرفة كالأخبار تخبر بل اختبار يختبر.... فهي علاقة خاصة بينك و بين الله.
أما الصوفية بالإنجليزية اتخذت مجرا فلسفيا فهي تنحدر من نفس الجذور لكلمة الصوفية... لكن الفلسفة لم تتخذ أي مجرى ثابت, بل لم تكن الا رحلة من الآراء و الأفكار لا نهاية لها...
و لكن على هذا الحال, ستظل في رحلة تائهة من الترحال..
و لن تصل إلى ما يقال الا بالاختبار..
فالفلسفة ليست الا لعبة بين المنطق و الكلمات.. إذا احترفتها يمكنك لعبها...
و لن تكون الا متاهة من الأفكار.. لن تتلمس فيك أي تغيير بل ستبقى كما أنت ...
و لهذا لم نرى نمو و رقي في العلم الا عندما تخلى عن الفلسفة.... فأساس
العلم يستند على الاختبار و ليس على الأفكار...
و كما انعدمت و أعدمت الفلسفة من الناحية العلمية, كذلك بالنسبة للصوفية
فكلاهما يهتدي للحقيقة و يتحقق منها عبر الاختبار... فالعلم يبحث بالمادة بالملموس ما تخفى في العالم الخارجي..
أما الصوفية بالمحسوس ما خفي و تخفى في عالمك الداخلي......
و السند الذي يعتمد عليه العلم هو التجربة على المادة, الأجسام و على كل ما خفي و موجود في العالم الخارجي...
أما الصوفية على التجربة الذاتية أي التي تواجه الوعي الداخلي...
فليس بامكانك إجراء التجارب عليه لأنه ليس جسما بل هو ذاتك....
و من المعتقد أيضا بانها متجدرة من العبرية .. عين الصوف.. التي تعني الأزل, البحث في الأزل... في البعيد الغير محدود.. الأبدي.
و هذه من أجمل المعاني و الدلالات التي حملتها الصوفية...
و تجملت بها و لا زالت تحمل أكثر من ذلك...
و بذلك من أبرزها هو معنى الصوفية في القاموس الفارسي بأنها, الصوفي هو الصوفي.... بدون أي إضافة و كأنها كلمة مهما عبرت و عرفتها لن تستطيع التعريف عنها...
حيث يمكن تعريفها بتذوقها .. عند التصوف يتضح لك وصفها دون أي وصف.
ذكر في القرآن ثلاثة ركائز يجب أن تتواجد في قلب الباحث...
أولها, الخشوع.... أي التواضع
يليها,الكرم.... الصدقة, الاشتراك و العطاء
يليها السجود.... الصدق, الأصالة.. أن تكون متأصلا بأصالتك كما أنت
دون أي تصنع...
هذه الثلاثة أعمدة التي تقوم عليها الصوفية...

و الخشوع هو أن تخشع كليا بتواضع... و لكن ما نتعايشه ليس خشوعا و إنما خضوعا للانا, حيث إن الأنا تتستر تحت ستار التواضع و في عدة أشكال..
طالما إن الشخص لا يزال يشعر بأنه متواضعا قياسا لغيره.. فهذا ليس خشوعا و إنما إحياء للأنا... أما الخشوع هو أن تخشع كليا في تواضع تتلاشى به عن الأنا.
و هذه أحد الركائز التي تتواجد عند الباحث عن الحق.
و عليك أن تكون سلسا لا أن تتشبث بالأنا بل تتشتت عنها و منها ...
لأنه بتشبثك بها ستبقى على نفس الحال و المنوال...
و بتشتتك عنها تكون عندها قبلتك نحو الحق.
أما الركيزة الثانية و هي الكرم... الصدقة و هي أن تشارك غيرك فيما تملك دون أي شروط..
أي أن لا تشعر بأنك ملزما بعطائك و مشاركتك لغيرك و لا أن تشعر بانتشاء
عند العطاء... بل الانتشاء بقبول الآخر لعطائك..
فهي ليست إلزاما أو التزاما و لا تقف عند احتياج و مساعدة الغير و إنما حبا للعطاء و مشاركة الغير فيما تملك ..
فالطبيعة و الوجود لم تحيد و تتقيد في عطائها ... و إنما الوجود يشارك
ما يملك مشاركته لنفسه..
و الصدق أن تكون صادقا في مشاركتك و كأنك تشارك نفسك في مشاركتك لغيرك..
و لنرى معا احد الأمثال ...
ذات صباح أستدعى أحد الرجال الأغنياء بعض العمال للعمل في حديقته...
و بحلول وقت الظهر ازداد العمل فاستدعى عمال اضافيون ... و بحلول المساء لا زال العمل يحتاج لعمال أكثر و بذلك زاد من عدد العمال..
و بغروب الشمس اكتمل العمل على أكمل وجه.. و منح العمال أجرهم بالتساوي دون تفرقة ...
و بطبيعة الحال استاء العمال من ذلك ... متعارضين بقولهم .. نحن لسنا متساوون في العمل و هذا ليس عدلا..
فرد عليهم صاحب العمل ضاحكا .. أليس المال مالي ؟؟
فرغبتي هي بمشاركة غيري بما املك دون تفرقة لمن أشارك...

أما ثالث الركائز هي الصدق.. و لا يعني أن نقول الصدق بل أن تكون أنت في حد ذاتك الصدق.. فقولك للصدق شيء و أن تتعايشه شيء..
و لكن جل ما نفعله هو مناشدة قول الصدق و الحق بشتى الطرق..
و نتلاعب بقول الصدق حسب مصالحنا أما ما عدا ذلك نتملق في قول
الحق..
و الصوفي يعيش كل لحظة بلحظتها أي أنه لا يقيد نفسه لا بماضي و لا بمستقبل بل كل ما يملكه هذه اللحظة... و يتضح ذلك في أحد اقوال الصوفية.. عندما يأتي بهذا الذكر .. شعوري في كل لحظة كما لو أن نبض الحياة يسري فيّ في الصباح و لا أعلم سواء سيستمر هذا النبض حتى المساء... وإذا تمعنت في هذا الذكر ستجده يحمل العديد من المعاني تعمق في معناها لتصل إلى محتواها.
فأول ما قصده هو أنه يعيش اللحظة بيقظة و لا ينشغل بما سيحدث في اللحظة القادمة و إنما يحيا كل لحظة بآنيتها و لا ينزعج و يخطط لما سيحدث لاحقا..
فكل مل يملكه هذه اللحظة يكتمل تعايشها باكتمالها .. فليس هناك منفذ لا لمستقبل و لا لماضي سوى هذه اللحظة.
لا يمكن لكيانك أن يكتمل لو كان تركيزك على المستقبل, فبطبيعة الحال, جزء كبير منه سينحدر نحو المستقبل.. و كذلك بالنسبة للماضي فهو شيء مضى .. و عندها تصبح متشتتا و مبعثرا ما بين الماضي و المستقبل ..
أي أن كيانك سينقسم إلى جزئين منه ما يتعايش الماضي و الجزء الأكبر منه
سيطمح للمستقبل.. فلن يبقى له أي يقظة و حضور لهذه اللحظة .
و الحاضر حضرة تعيشها بكامل وعيك فهي قصيرة الأمد لكنها تصلك بالصمد.. فلهذا تجد أكثرنا لها متناسين و منشغلين بماضينا و مستقبلنا .
و لكي تكون حاضرا في كل حاضر, عليك أن تسحب نفسك من الماضي لتسحب نفسك من المستقبل.. و عندها في تلك اللحظة لحظة اليقظة ستكون تجمعا لطاقاتك.. ستصب فيها كل وعيك و طاقاتك بوعي و تركيز فعندما تبدأ البركة بالحركة في كل اتجاه تصبو إليه.. و تفتح المجال بان يكون هناك فسحة من المتعة في كل حين بيقين.
اما إذا كانت الحياة مليئة بالبؤس و اليأس فذلك لأنك تعيش الماضي و المستقبل في آن واحد متشتت ما بين ما مضى و ما لم يمضي بعد, متناسيا
نعمة اللحظة التي فيها نور اليقظة.
يمكنك حينها أن تعيش حياتك بكاملها بتجدد, كأي طفل لا يأبه بما حدث و بما سيحدث و إنما يتعايش مع اللحظة بكل انسجام .. فهي كل ما نملك.
الشخص الذي يتعايش اللحظة لا يكبر في السن أبدا .. أي أنه ينضج و لكنه
ليس تعدادا للسنين بل نموا حقيقيا .. اما ان تكون كبيرا في السن فهذا ليس نموا بل إنسان يتحضر للموت ببطئ ليس الا انتحارا بانتظار لحظة المماة.
و الذي يعيش و يتعايش اللحظة لا يكبر في السن و لا يعجز جسديا فهذا ليس انزعاج و إعجاز للبذرة التي بحاجة للنمو .. بل ينضج و ينمو بأبعاد مختلفة
و لا يصبح مجمعا يجمع المعلومات و المطالعات .. بل هو فضولي دائما لكل ما هو حوله.. يحمل براءة مليئة بالإعجاب و التعجب فكل لحظة تجلب له مفاجأة جديدة فيها كل تجدد و تمدد للحياة لا تتوقف عند أي موقف .. بل الحياة عنده تيار يسري لأبعاد جديدة من الحياة.. دائما تحمل معها المغامرات و الاستكشافات التي تجعل من حياته لذة في كل لحظة .. فلهذا لا يكون هناك أي مجال لليأس و البؤس و لا مكان للضجر لأنها ليست كالصخر متجمدة بل متجددة ..
فقط نظرة واحدة لعيون البشر ستجدها مليئة بالهموم من كثرة السموم التي اعتدت عليهم من عادات الحياة حتى أصبحت شريعة مماة بانتظار لحظة الوفاة.. لا ينبض فيها أي وميض من البهجة و الفرح..
و بسيماههم تعرفهم حيث لا ترى في وجههم أي إشارة تحمل البشارة بحياة فيها أي تجدد فقد تصخرت وجوههم و تعابيرهم من كثرة الهموم .
و لكن الناس مستمرة بالتعايش بهذا الشكل, فقط خوفا من الانتحار .
و ذلك لأنهم مرهقين بالماضي و مهمومين بالمستقبل ..
لا ترهق نفسك لا بماضي و لا بمستقبل بل استقبل كل لحظة بيقظة ووعي .
فليس هناك أي حاجة بإرهاق نفسك و إهدار وقتك بالتفكير في أشياء مضت و أشياء ليس لها وجود بعد.. و تناسيت و تخليت عن هذه اللحظة, التي فيها كل البهجة العظيمة و القيمة الثمينة..
و هذه البهجة تجلب لك توهجا تصبح صلة بينك و بين الموجود في كل الوجود.. فيها تصبح من الذاكرين في كل حين .. و عندها تذكر الله على نعمه بمعرفته معرفة اليقين..
فليس هناك أي منفعة من ترديد بعض الكلمات و الأذكار فهي تقيدك حيثما أنت..
و ستصاب بالملل و لن يسري فيك أي نبض من ترديدها و إنما بذكرها تعيشها
كفكرة لا تصلك و لا توصلك..
فالذكر ليس بتكراره شفهيا .. و إنما تصبح أنت الذاكر و الذكر بكامل كيانك..
و كل خلية فيك تردده وجوديا .. فالذكر ليس شفهيا و إنما وجوديا, يتأصل في كيانك و في كل الوجود.. لا يتقيد بحدود الشفاه و الفكر فقط .. و إنما في كيانك و عالمك الداخلي بتكامله ستعيشه في كل لحظة.

f