من أنا - مترجم عن أوشو  (قائمة المقالات)

 

ألم تتوقف يوما أو ساعة في أثناء عمرك لتسأل نفسك … من أنا .. و من أين و إلى أين و ما سر وجودي …من هذا التساؤل لنرحل معا رحلة من نوع أخر … لنرحل معا و نبحر في أعماق أنفسنا و لنتعرف على ما تجلت عليها و نعترف بسر مخاطبة أولي الألباب… من يرى و يستمع و يقرأ بلب قلبه.. المسألة ليست فلسفية و لا فكرية و لا مادية و إنما أبعد من ذلك… فهي قلبية هي الكل شيء و في كل شيء و عليها يتوقف كل شيء…
لنكن معا في هذه الرحلة مع من ينشرح صدره … لا مع من يشرح بفكره..
معظمنا أو بالاحرى جميعنا نعيش بطريقة عشوائية لسنا مدركين لسر وجودنا و لماذا نحن هنا و ما دورنا في الحياة و إلى أين تجرنا و لماذا؟؟؟ ..
ما الذي أتى بنا إلى هذا المكان و في هذا الزمان و لمــاذا؟؟؟
نحن لا نسأل أنفسنا لمــاذا ؟؟ في حين أن حياتنا بأكملها تمر دون إثارة هذه الأسئلة … لا عجب أن جميعنا نجهل معرفة سبب وجودنا … لربما البعض أو القلة القليلة من لديه المعرفة و العرفان و الإدراك لكنهم قليل من كثير.. نمشي و نرى و نسمع بحواس لا تنبض فيها روح الحياة … أشباه أموات غائبون في نوم عميق غابت عنا إدراك الحقيقة…
نخفق في سماع ما يقال.. إدراك ما يحيطنا من كل جوانب الحياة… لا عجب إننا غافلون عن سبب وجودنا و إدراك حقيقتنا.. لا نعرف لماذا نحن أحياء .. و هل نحن فعلا أحياء أم أموات ..
ما الحياة و ما المماة… لسنا مدركون لما نقوم به من أعمال إلى حد أوصلنا بتغيبنا عن إدراك أنفاسنا…
فالحياة كتاب مفتوح لا يغلق أبدا أبدي و أزلي.. حياتك الآن إحدى فصول ذلك الكتاب يغلق بعد مماتك ليفصلك عن السابق و يفتح فصل آخر و هكذا دواليك .. و في العديد من الحيوات السابقة
استمر سعي الإنسان في الوصول إلى مرحلة أحس بها كلمحة مرت في حياته يمكنك تسميتها .. السلام .. الحقيقة … تعددت أسمائها و صفاتها, سمها ما شئت فهي ليست كلمة تقال و إنما حال يفوق وصفه كل الأحوال..
و أي شخص يمكنه أن يصل ذروتها بعد العديد من الحيوات… و كل من وصل و اتصل بها يعتقد بأنها الكمال و النهاية … و لكنها ليست كذلك و إنما بداية النهاية.. بداية لمرحلة و رحلة جديدة.. حتى الأمس جاهدوا أنفسهم بصعوبة لوصولها.. و اليوم يسارعون في مشاركتها مع غيرهم.. وإذا لم تكن هذه الحقيقة لما أتى إلينا الأنبياء ليطرقوا أبوابنا و يشاركونا عهدا جديدا من العلم قد بدأ بالعمل ..
كل ما له بهجة و سرور في هذا الوجود يرتقي من الشهوة إلى النشوة الأبدية و الأنوار الإلهية و تصبح مشاركتها مع الآخرين همة مهمة لكل من ارتقى و استوى…
كمشاركة الزهرة بعطرها و الغيمة بأمطارها .. و كانجذاب الموجة التي ما أن تصل إلى الشاطئ تتلهف مسرعة باشتياق لاعتناق البحر..
كذلك يصل من اتصل بالحقيقة … تصبح روحه عطشة في نشر عطره لكل من حوله..
و إذا كانت ذات الأسباب التي جمعتنا جميعا لكتابة و قراءة هذا الكتاب فإذا نحن على هدى الطريق مهما كان عميق… ما عدى ذلك سيكون مبهم و لا يجلب أي رحيق..
لأننا سنتوقف .. و نستوقف المكان و الزمان و نحاول العبور فوق كل معابر العبارة و نندمج مع المطلق و نصبوا نحو الإشارة…
كم يدهش تغيبنا عن القريب و جعلنا منه بعيد و غريب… حتى يجعلك الأمر تشك في أنه نحن من أعمينا أعيننا و حواسنا بتعمد منا… ما عدى ذلك كيف لنا بالتغيب عنه و نغتاب القريب من دون فهم و جهل و نجعل منه بعيد.. كم رددها الأنبياء مرارا و تكرارا … بان الناس لهم أعين
لا يرون بها و أذان لا يسمعون بها… و كأن غشاوة قد أنزلت و زالت عنك حواسك و أصبحت ترى و لا تبصر تسمع ولا تصغي و لا تشعر بحقيقة ما يحيط بك من كل مكان..
ما الذي حل بنا و جعلنا مقيدون و محدودون …
لا شك أن هناك بعض الإعاقة الصغيرة في طريق رؤيتك أعمت بصيرتك المنيرة …
يمكن تشبيهها بنقطة صغيرة من الغبار تدخل العين و تعرقل وجهة نظرك بالكامل و تشوش عليك رؤية جبل متكامل…. فقط نقطة صغيرة من الغبار يمكنها أن تعمي عينيك من رؤية كل ما هو حواليك…
المنطق سينطق و يقول بأنه لا بد و أن يكون شيء عظيم الذي حجب عليك رؤية عينيك لجبل
كامل… حسابات أفكارك ستبحر بك إلى أن هذا الشيء لا بد أن يكون أكبر من الجبل ذاته..
و لكن الواقع و الحقيقة عكس هذه الحسابات مهما كانت دقيقة .. فنقطة الغبار صغيرة جدا بالنسبة للعينان .. و لان الغبار غطت العيون و شوشت رؤية جبل بالكامل فلهذا أصبح مخفي و محجوب.. و كذلك نفس الشيء الذي عرقل عنا رؤية حقيقتنا الداخلية ليس بالشيء الكبير.. ليس إلا نطفة غبار صغيرة جدا.. و هذا الشيء أعمانا عن الحقيقة بسبب إعاقة صغيرة جدا أصبحت حقائق الحياة مخفية عنا كليا…
و هنا لا نتحدث عن العيون الفسيولوجية التي نرى بها الأشياء… فهذا الفهم يخلق تشويشا عظيما… تذكر في الوجود بان الحقيقة ذات مغزى عميق في أنفسنا حيث خلقت لها أحاسيس
لاستلامها و إدراكها لكي ندركها و نتعايشها…
إذا لم يكن لذي أذان صاغية فلن أستطيع سماع زفير البحر مهما كان عاليا و قويا … حتى إذا ما واصل المحيط الزآر للخلود فلن يمكنني أبدا سماعه.. و إذا لم يكن لذي عينان تبصر بالبصيرة فلن أرى نور الشمس حتى لو أشرق على عتبتي… إذا لم يكن لذي يدان فكيف لي باللمس و الحس…
ملايين من الوعاظ حول الأرض … اتخذوا من شريعتهم شراعا و شعارا مطروحا و جاهزا.. ليظل الجميع تحت سيطرتهم يسيرونهم كالقطعان و البهائم على هواهم و حسابهم.. يبقونهم جياع دائما على شفير الهاوية … إذا ما رغبوا وفقا لمصالحهم يلقوا إليهم ببعض العظات
التي تنجيهم و تشبع جوعهم.. حتى أصبحوا الناس جياع و عبيد لقمة وعظات يقودونهم بالجوع … و أصبح الوعاظ ملوك و آلهة لجنات و جهنمات لا وجود لها إلا في عالمهم…
و لكن الاعتقاد لا شيء سوى كلام… يمكننا الاعتقاد بان الكلام يقنع بما فيه الكفاية … و إذا ما جادلنا و بقوة أصحاب مقابر الأفكار و نخفق في إثبات عكس ما يقول…نشعر بالهزيمة و نبدأ بقبول ما يقول!!!
إلا أن العقائد و الاعتقاد لا توصلك إلى أي عرفان..
مع ذلك يقتنع الأعمى بوجود النور و لا يستطيع رؤية النور و ما خفي في الصدور … لو تأملنا قليلا لوجدنا بأن معرفة الحقيقة من حق كل الخلق.. و سبب هذا الضياع هو إن المركز الذي بداخلنا منطفي و منحني ذابل و خامل…
و بالتأكيد لا تزال هناك حواس نائمة و ساكنة لنسعى معا في إحيائها و إنمائها…
و لنقرب المعنى و المغزى أكثر …
كما أنه هناك بصلة كهربائية تسلط نورها علينا … إذا ما قطعنا ذلك السلك الذي يربط و يصل بين البصلة و مركز تيار الكهرباء سينطفي ذلك النور بكل بساطة بالرغم من بقاء البصلة كما هي دون تغير… و إذا ما خفق التيار الكهربائي في وصوله للبصلة سيسود الظلام عوضا عن النور….. و هي ذات البصلة التي أصبحت خاملة و مظلمة منذ انقطاع الكهرباء عنها…
هل هناك شيء يمكن للبصلة عمله و القيام به إذا لم يكن التيار يصله؟..
هناك مركز متجوهر في كل واحد منا من خلاله يمكننا معرفة حقيقتنا… فقط لأن قوة تيار الحياة فينا خامل يعيقنا من الوصول و الاتصال بذلك المركز…
حتى إذا ما كانت عيناك طبيعية و صحية … فأعلم أنهم دون فائدة طالما أن قوة تيار الحياةلا تصلهم و تنشطهم…
و لنرى كيف من الواقع نحن من نحجب النور الساطع…
في إحدى المدن الهندية كانت هناك فتاة في ريعان شبابها… من عائلة معروفة و مرموقة…
مال قلبها لحب جارها الذي يسكن بجوار مسكنهم .. و عند علم أهلها أقاموا كل الحواجز المرئية و المخفية لمنع اتصالهم و تواصلهم … أقاموا كل السدود ووضعوها تحت القيود.. بنوا جدارا يفصل يبنهم و بين البيت المجاور الذي يسكن فيه الجار… لمنعها حتى من رؤيته من أمام عتبة الدار .. و منذ ذلك اليوم أصاب الفتاة عمى فكري و نفسي… و أصبحت غير قادرة غلى الرؤية..
في البداية ارتبك الأهل و ظنوا أنها تصطنع عدم الرؤية و تزعم بأنها عمياء, وبخوها, هددوها و ضربوها… لكن العمى لم و لن يعالج بأي تهديد .. استشاروا الأطباء و صرحوا بأن عيناها بخير و لا تشكوا من أي خلل…و لكنهم أعلنوا جميعهم بأنها على حق و لا تكذب بشأن عدم قدرتها على الرؤية… اعترفوا بعجزهم عن القيام بأي شيء يمكن أن يصلح هذا الخلل الذي حل بالفتاة … فالعمى عمى نفسي و فكري..
أي أن قوة تيار الحياة توقفت عن وصولها للعينان انقطع التيار فسكتت العينان و عميت بالرغم انه لم يكن هناك أي خلل جسدي فيما يتعلق بالعينان...
و عند الذهاب بها إلى أحد الحكماء العلماء...
سألها عن ما الذي حدث واقعيا و جعل من السبب شيئا مخفيا و إذا ما كان هناك أي سبب يصدر من المستوى العقلي..
فحاكته قائلة.. نعم عقلي و فكري.. ما حاجتي للعينان إذا كانتا محجوبتان عن رؤية نوريهما..
بالنسبة لي خلقتا لرؤيته و لا أحد سواه.. من الأفضل في هذا الحال بأن لا أرى إطلاقا..
فعندما نصب ذلك الجدار الذي يفصل بيننا طاردني فكري بأنني سأصبح عمياء و لن أرى بعدها... حتى في منامي رأيت بأنني أصبحت عمياء و لست قادرة على رؤية أي شيء...
فإذا منعت عيناي لرؤية من جلب لهما البهجة و النور لهما و الذي كان بمثابة مكونهما..
فمن الجيد أن افقد مقدرتي على البصر ... ما حاجتي لهما..
هنا وافق الفكر على فكرة أنها ستصبح عمياء و لذلك توقفت قوة تيار الحياة عن وصولها لعينيها...
العينان لم يصبهما أي خلل ... في حالة جيدة جدا, يمكنهم الرؤية لكن ما هو مفقود تلك الطاقة المحركة أصبحت خامدة و ساكنة و توقفت عن وصولها للعينان...
و كذلك ذات الشيء هناك مركز في كياننا, مخفي بداخلنا حيث يمكن من خلاله معرفة الحقيقة و تلمح ومضتها التي تصلنا بطاقة الحياة..
هذا المركز الذي من خلاله تستمع لإلحان إلهية...
و تنحس بعطر النور الذي لا تلامسه و تمتزج معه أي عطور أرضية...
هذا المركز هو باب الحرية المطلقة الذي يحررك من كل أشكال العبودية...
و لن تشعر بالأسى أبدا من خلاله بل ستمطر و تعم عليك النعم كالأمطار التي تزهر الأشجار و الثمار و تملئها بالأنوار...

f