الحرية - الشجاعة بأن لا تكون سوى نفسك  (قائمة المقالات)

 

الحرية هي أن تكون قادرا على أن تقول نعم في مكانها المناسب
أن تقول لا في مكانها المناسب
وأن لا تقول شيئا عندما لا شيء يناسبه الكلام...
أن تظل صامتا
إذا وجدت جميع هذه الأبعاد توجد الحرية...
أوشو


حرية ثلاثية الأبعاد

الحرية لها أبعاد ثلاثة، أولا البعد الجسدي أي حرية الجسد.. فقد وصل الجهل ببني الإنسان لأن يستعبدوا أبناء جنسهم ويبيعوهم في السوق تماما كأي سلعة أخرى، لا وجود لأي حقوق إنسان هذه مجرد كذبة أخرى... لطالما تم التعامل مع البشر بمنزلة أدنى من إنسانيتهم..

إضافة للفروق التي أوجدناها بين الرجل والمرأة فنحن لم نر إلا الجسد واختلافاته لم نستطع أن نصل إلى الإنسانية التي توحدنا جميعا بالرغم من اختلاف الجنس.. ففي الصين كان للرجل الحق في قتل زوجته دون أن يعاقب، كان يتم التعامل معها على أنها أداة لإنجاب الاطفال لا أكثر.

إذن هناك حرية جسدية وهي ألا يكون الجسد مكبلا بالسلاسل ولا مصنفا ضمن فئة أدنى من فئة أخرى، أي أن تكون هناك مساواة على مستوى الجسد. صحيح أن هذا النوع من الحرية أفضل حالا اليوم ولكننا لن نصل إليها تماما إلا إذا لم نعد نرى فرقا بين أبيض و أسود أو رجل و امرأة أو عربي وغربي.. لا أحد طاهر ولا أحد عاهر.. جميعنا سواسية على مستوى الجسد، هذا هو أساس الحرية...

أما البعد الثاني فهو حرية الفكر.. والأحرار من عبودية الفكر قلة في هذا العالم وذلك لأنك ما أن تكون تابعا لحزب أو مذهب أو فكر أو طريقة فأنت تابع! لست حر الفكر...

إن أساس تربيتنا لأطفالنا مبنية على استعبادهم.. على جعلهم عبيدا للأيدولوجيات سياسية واجتماعية ودينية دون أن نعطيهم أي فرصة بأن يفكروا ويبحثوا بأنفسهم بل نضع عقولهم الصغيرة في قوالب معينة ونحشوها بأمور نجهلها وحتى لم نختبرها بأنفسنا ولكننا ننقلها من جيل إلى جيل... وتجد الوالدين يستمرون بالحديث عن الله وهم لا يعرفون شيئا عنه.. ويحذرون من عذاب النار ونعيم الجنة وهم لا يعرفون شيئا عنها أيضا.

إنك تعلم أطفالك أمورا أنت شخصيا لا تعرفها ولكنك تبرمج أدمغتهم لأن أهلك برمجوا دماغك.. وبهذه الطريقة ينتقل المرض وتنتقل الأخطاء من جيل لآخر..

لن نتمكن من تحقيق حرية الفكر إلا إذا تم السماح لفطرة الأطفال بأن تنمو.. لهذه البذرة الإلهية التي يحملونها أن تزهر ليصبحوا أكثر ذكاء، أكثر وعيا، أكثر انتباها... فبدلا من أن نلوث عقولهم بقناعاتنا ومبادئنا سنوفر لهم كل ما يساعدهم ويحفزهم للبحث عن الحقيقة.. سنخبرهم من البداية:

"لا شيء سيحررك غير الحقيقة التي تجدها.. النتائج التي تتوصل إليها، لا شيء آخر سيقوم بهذا"

الحقيقة لا يمكن أن تتطور.. لا يمكن أن تجدها في الكتب والجامعات والمدارس والنظريات، لا أحد يستطيع أن يخبرك إياها ولكن عليك أن تصقل جوهرتك بنفسك وأن تفتح المجال لوعيك وفكرك لكي تتمكن من النظر إلى هذا الكون وتجدها فيه.... إذا تركت أي طفل على فطرته منفتحا.. مقبلا على الحياة.. واعيا.. وقدمت له التشجيع والشجاعة للبحث فسيكون حر الفكر...

وهذا ما جاء من أجله كل الأنبياء والرسل والحكماء والأولياء والمرشدين والمعلمين... إرجاعنا لفطرتنا لا أكثر وإخراجنا من جميع العلب التي يتم قولبتنا فيها ولكن ما أن يذهب رسول أو حكيم حتى نقع في نفس الخطأ من جديد...

إذا كان الطفل حر الفكر عندها يصبح إنسانا مسؤولا.. هذه أحد أهم النتائج التي تترتب على حرية الفكر، فالطفل يتحمل المسؤولية كاملة دون أن تعلمه ذلك، سيكون ممتنا وشاكرا لك وليس غاضبا من تدميرك لفطرته وبرمجتك لعقله كما تريد، وذلك قبل حتى أن يطلب منك.. قبل أن يسألك أي سؤال تحشو دماغه بإجابات مبهمة وغامضة بالنسبة له لأنها ليست مبنية على تجاربه...

العالم كله مستعبد فكريا...

البعد الثالث هو الحرية المطلقة.. وهو معرفتك بأنك لست جسد، معرفتك بأنك لست فكر ولكن وعي كوني ونقي... هذا النوع من المعرفة يأتي عن طريق التأمل، حيث يفصلك عن الجسد ومن ثم عن الفكر لترى حقيقتك كما هي... وعي تام.. هذه هي حرية الروح..

إن الجماعات والمجتمعات بحد ذاتها لا تمتلك روحا ولا فكرا ولا حتى جسدا.. إنها مجرد هتافات وشعارات تلك التي نسمعها تتردد دائما منادية بروح الجماعة... ولكن الفرد هو الأساس، هو الذي إذا امتلك الوعي عرفت الجماعة الوعي.. إذا عرف كل فرد حقيقته وحريته وصل بمجتمعه إلى الحرية التامة... ولكننا مهووسون بالكلمات فقط.. الجماعة والمجتمع والشعب والسياسة والدين، جميعها كلمات لا تحمل شيء بين معانيها..

في حكاية أليس في بلاد العجائب وعندما وصلت أليس إلى قصر الملكة سألتها الملكة "هل قابلت في طريقك رسول قادم إلي؟"

فقالت الفتاة الصغيرة "لا أحد كان هناك"

ظنت الملكة بأن لا أحد هو اسم أحد ما..

فسألتها "إذن لم يصل لاأحد إلى الآن؟"

قالت أليس "سيدتي، لا أحد لا أحد!"

قالت الملكة "لا تكوني غبية.. بالتأكيد لاأحد هو لاأحد نفسه ولكن من المفترض أن يصل قبلك، لا بد من أن لاأحد ابطأ منك"

فقالت أليس "هذا غير صحيح أنا سريعة، لا أحد يسير أسرع مني!"

وهكذا بين الكلمة والكلمة يضيع المعنى وبين تجمعات المجتمع يضيع الفرد... فكرة التجمعات بحد ذاتها قد تكون خطيرة فمن أجل المجتمع يتم التضحية بالفرد.. لطالما ضحت الأمم بالأفراد وأضاعتهم في سبيل الأمة.. و"الأمة" مجرد كلمة! تلك الخطوط التي رسمناها على الخريطة ليست موجودة على الأرض... إنها مجرد لعبة سياسية ولكن باسم هذه الخطوط يحدث القتال ويموت الملايين من البشر... أناس حقيقون يموتون من أجل خطوط غير حقيقية! ومن ثم نجعل منهم أبطال للوطن!!!

وليس الوطن فقط ولكن ضحينا بالإنسان باسم الدين كذلك... فكم من قتلى بسبب الجهاد أو الحروب الصليبية أو غيرها من الدمار والقتل والجرائم وحتى حرق الناس أحياء كله باسم الدين وباسم الله!!! جماعات إسلامية ومسيحية ويهودية وبوذية وهندوسية وشيوعية وفاشية... أي كلمة تدل على تجمعات ستؤدي الغرض للتمكن من التضحية بالفرد...

لهذا إذا كان الفرد حرا جسديا وفكريا وروحيا عندها نستطيع أن نوجد مجتمعا حرا وواعيا لهذه الحرية الكاملة...

إذا أردنا عالما حرا علينا أن نلغي جميع تلك المسميات والحدود والعلب التي تفرق بيننا.. ونجعل الأولوية للإنسان.. أيا كان هذا الإنسان نضع أهميته على رأس القائمة...

إن الحرية من شيء ما ليست حرية حقيقية، والحرية للقيام بشيء ما أيضا ليست حرية.. الحرية الحقيقية هي أن تكون أنت على حقيقتك...

الحرية لا أحد يستطيع أن يعطيك إياها ولا أحد يستطيع أن يأخذها منك.. فإذا كنت موصولا بوعيك الداخلي ثابتا ومتمركزا في كيانك لا شيء يستطيع أن يأخذ هذه المساحة الداخلية منك، فالسيف قد يقطع رأسك ولكنه لا يمكن أن يقطع حريتك..

سواء كانت الحرية من شيء ما أو للقيام بشيء ما فإنها تعتمد على ماهو موجود هناك بالخارج.. بينما الحرية بأن تكون روحك الصافية لا تعتمد على أي شيء خارجك أبدا.

لقد ولدت حرا من البداية، هذه حقيقتك ولكن ما حدث هو برمجتك وإخفاء الحقيقة عنك حتى أصبح الخداع والزيف طبقات عديدة تغطيك وتحجب حقيقتك عنك لتبقى الخيوط في أيد غيرك يتحكمون بك كما يشاؤون...

يخبروك بما يجب عليك أن تفعل وما لا يجب أن تفعل...

أعطوك شخصية معينة بحسب العادات والتقاليد.. أعطوك هوية بحسب السياسات والأديان.. أعطوك علوما بحسب ما يتناسب مع مصالحهم وتجاراتهم.. ولكن تحت كل هذا الحمل الثقيل الذي وضعوه عليك من الطفولة تكمن ذاتك الحقيقية مخفية ومكبوتة...

إذا تمكنت من التخلص من جميع تلك البرمجات، إذا تمكنت من رؤية نفسك على أنك لست مسلما أو مسيحيا.. لست شيوعيا أو رأسماليا.. لست هذا أو ذاك بل بكل بساطة إنسان... عندها تعرف الحرية حقيقة..

خاصة وأنك لم تولد على أنك من هذا الدين أو ذاك ولا من هذا المذهب أو ذاك ولا من هذا الحزب أو ذاك ولكن مجرد مخلوق طاهر ووعي بريء من كل هذا الفروقات.......

إن الحرية تعتبر التجربة الأسمى والأعلى في الحياة... لا شيء أعلى من هذا.. فمن الحرية يزهر الكثير... تزهر المحبة، تزهر الرحمة.. يزهر السلام.. كل ماهو ذا قيمة وجدانية في هذه الحياة يزهر من فطرتك الطبيعية ذات المقام الطاهر في داخلك... من تلك اروح الإلهية التي تحملها معك...

لهذا لا تربط الحرية بالاستقلال فالاستقلال يأتي من شيء ما، من أحد ما.. ولا تربطها بأشياء تفعلها فهذه تأتي من الفكر فقط وليس منك أنت، أي أنك مازلت حبيس رغبات وشهوات.. ولكن الحرية هنا هي ببساطة أنت... أنت بصمت، بصفاء، بجمال، بنعيم مطلق....

f