تأمل ساعة  (قائمة المقالات)

 

التأمّل.... التفكّر والتدبّر....
تأمّل ساعة خير من عبادة سبعين عام...
ساعة تُخرجك من الأحلام والأوهام...
وتُوصلك إلى اليقين والإيمان....
لنفهم معاً ونتجاوز الفَهم بالعِرفان...

ما هو التأمل؟

التأمل مظهر من مظاهر الوعي والإدراك...
سمة من سمات العفوية والفطرة الإلهية...
التأمل أن يكون كل منّا مدركاً لما يفعل من خلال إتقان عمله... فالله يحب إذا عمل أحد منّا عمل أن يتقنه لأن كل عمل عبادة..... وما خلقتُ الجنّ والإنس إلا ليعبدونِ...
لا يمكن أن نصل إلى حالة التأمل من خلال إتباع تقنية أو طريقة ما لأن التأمل هو فنٌ بحدِ ذاته... إنّه فنٌ نتعلم من خلاله أن تكون أعمالنا خالصةً لوجهِ الله....
لا يمكن أن نحدد ونصف التأمل بكلماتٍ وعباراتٍ أيّاً كانت المفردات والكلمات... فكيف نستطيع أن نصف شعور الظمآن عندما يشرب الماء....؟
لا بدّ أن نعيش التأمل لكي نعرف ما هو الحلّ والحال....
ولنسمع ونصغي للحبيب عندما قال...
تأمل ساعة خير من عبادة سبعين عام وخير من ألف سؤال...

التأمل يختلف عن التركيز

التأمل ليس تركيزاً، لأنه في عملية التركيز هناك عملية فصل بين الإنسان الذي يمارس التركيز وبين الشيء الذي يقوم بالتركيز عليه، كما أن التركيز عملية متعبة ومُجهدة بسبب هذه الازدواجية الزجاجية الوهمية...
في التأمل هناك عملية وصل لا فصل... تزول فيه الفواصل والحدود لتذوب جميعها في بحر الوجود... وتحصل بهذا على وعي أحدي موحّد بين الداخل والخارج، بين الجسد والروح....
التركيز يقود إلى انفصام الوعي والشخصية، لذلك كلما مارستَ التركيز لفترة محددة ازداد الشعور بالتعب والحاجة إلى أوقات طويلة من الراحة، كما أنك لا تستطيع أن تمارس عملية التركيز لمدة أربع وعشرين ساعة متواصلة، لأنه ليس من طبيعتنا الداخلية المتكاملة...
أما التأمل فهو جوهرة من جواهر الطبيعة الإنسانية والفِطرة الربّانية... يمكنك أن تعيش التأمل وتكون حياتك كلها تأمل، طوال زيارتك لهذه الأرض من دون أن تشعر بالتعب والإجهاد... لأن التأمل يعني أن نكون أولاً موحّدين جسداً وفكراً وروحاً، فنتّحد ونتناغم مع هذا الوجود... فنصبح غير موجودين لأننا جزء من الكل دون علب أو قيود... عندما ينهمر المطر من السماء نستطيع أن ندرك قطراته وحبّاته ولكن ما أن تصل تلك القطرات إلى الأرض أو إلى البحر فإنها تختفي ويصبح من المستحيل فصلها أو تمييزها لأنها أصبحت جزءاً من الكل... ذابت في الفناء في بحر النقاء مع الواحد الموجود...
التركيز عمل إرادي ورغبة بتحقيق هدف ما... أما التأمل فهو حالة من الاسترخاء والاستسلام التام... حالة من اللافعل واللارغبة... إنه عودة الإنسان إلى جوهره المكنون... وهو جوهر واحد في كل الكائنات والكون...
في التركيز يعتمد الفكر على الاستنتاج: أنت تقوم بعمل ما وستحصل على نتيجة ما... التركيز يستند على الماضي الفاضي... أما التأمل الحقيقي فهو مشاهدة بلا أمل.. أنت حاضر في الحضرة ببساطة دون أي عمل.... نقياً من آثار الماضي وآمال المستقبل...
هذا هو سر كُن فيكون... الفِعل دون أي فعل... وهو نفس الحال الذي يتحدّث عنه الصوفيون العارفون وحكماء الزنّ:
اجلس بصمت دون أن تفعل شيئاً... وسيأتي الربيع وينمو العشب والزهر من تلقاء ذاته.
تذكّر هذا التعبير لتعرف وتصنع المصير: "من تلقاء ذاته"... أي أنه غير مطلوب منك أن تسحب العشب من الأرض لكي ينمو!.... فقط انتظر بهدوء وسلام وسيتحقق كل شيء على ما يرام...
وهذا هو حال التأمل بكل بساطة... الاستسلام لقوة الحياة النابضة في عروقنا... دون أي تسلّط أو تحكّم... دون فرض أي قوانين أو شرائع مشرّعة بالجهل... تلك الحالة العفوية التلقائية هي التأمل.
في التأمل لا يوجد ماضي ولا مستقبل بل نعيش هذه اللحظة بنقاء...
تستطيع أن تركّز... لكنك لا تستطيع أن تستغرق في التركيز...
لا تستطيع القيام بالتأمل... بل تستطيع أن تكون متأملاً...!
التركيز عملٌ للآلات والحواسب... أما التأمل فهو عمل للمؤمن والمُشاهد المُراقِب...

اختيار الاختبار

لكي تختار اختبار التأمل الصحيح عليك أولاً أن تختار طريقةً تجذبك وتفتح أزهار قلبك...
فالتأمل يجب ألا يكون شيئاً مفروضاً على ذاتك أو حياتك... بل هو فيض من غيض إحساسك وابتهاجك...
كل شيء مفروض مرفوض وسيؤدي إلى طريق مسدود....
كل ما يُفرض بالقوة سيبعدك عن طبيعتك ويزرع التناقض والانفصام في شخصيتك...
يجب أن تفهم هذا جيداً لأن العقل له مقدرة طبيعية على التأمل إذا أعطيته أشياءً مناسبة وجاذبة...

إذا كنتَ متعلقاً جداً بالجسد... هناك طرق توصلك إلى الله عبر الجسد، لأن الجسد أيضاً معبد.. جزء من الله على صورة الله ومثاله...
وإذا كنتَ تشعر بقلبك مسيطراً على كامل كيانك.. فالصلاة والصلة هي الطريقة لتصل إلى الحقيقة...
وإذا كنتَ نشيط الفكر والتحليل، فالتأمل والتذكّر هو السبيل لتتوحد مع نور الله وشمس الأصيل...


لكن طرق التأمل التي وُضعت هنا مختلفة ومميزة... فهي موضوعة لتُلائم الثلاث نوعيات في نفس الوقت... كل طريقة تستخدم جزءاً كبيراً من الجسد والقلب والفكر معاً...
جسد...قلب...فكر... كل هذه التأملات تسير على نفس الدرب... تبدأ بمعبد الجسد وتنتقل إلى القلب، ثم تصل إلى الفكر وتطير بك إلى أبعاد أبعد من الجسد والقلب والفكر...


تذكّر دائماً... أي شيء تستمتع به سيتعمّق فيك ويتحقق... وهو الشيء الوحيد الذي سينفع...
الاستمتاع هنا ببساطة يعني الملاءمة... التوافق والتناغم بينك وبين الطريقة...
وعندما تستمتع بطريقة ما لا تصبح طماعاً على الفور!... بل استمر بها قدر استطاعتك وراحتك... يمكنك القيام بها مرة أو اثنتين في اليوم إنْ أمكن...
وكلما قمتَ بها أكثر كلما زاد استمتاعك بها...
لا تتخلّى عن أي طريقة إلا عندما يزول الاستمتاع والفرح الذي تعطيك إياه... وعندها يكون عملها قد تمّ وانتهى...
ثم ابحث عن طريقة أخرى... ولا يوجد أي طريقة محددة توصلك إلى منزلك...
في رحلتك ستحتاج إلى تبديل الطرق والسبل... كل طريقة توصلك إلى حالة وحال معيّن... بعد ذلك ينتهي مفعولها وتبدأ بإعطاء ثمارها...


إذاً هناك شيئان عليك تذكّرهما: عندما تستمتع بطريقة معينة استمر وتعمّق فيها قدر الإمكان... لكن لا تُدمن عليها أو تتعلق بها لأنك يوماً ما ستتركها...
إذا أدمنتَ عليها بشدة ستصبح مثل حبة المخدر ولن تستطيع أن تتركها، ولن تستمتع بها أبداً لكنها ستصبح عادة بلا فائدة... تقودك في حلقات مفرغة ولن توصلك إلى أبعد منها...
لذلك دع الاستمتاع يكون هو الدليل المُحدِّد... استمر بالطريقة حتى آخر قطرة من الفرح تجده فيها.. حتى تُعصر بكاملها وينفذ منها العصير تماماً... بعدها تهيّأ لكي تتركها...
انتقي طريقة أخرى تعيد لك المتعة وتضيء لك الشمعة... وعليك أن تغيّر الطرق عدة مرات.. ويختلف الأمر من شخص لآخر، لكن من النادر جداً أن تكفي طريقة واحدة لإنهاء الرحلة...

لا حاجة لقيامك بعدة تأملات في نفس الوقت.. فذلك سيؤدي إلى الفوضى والتناقضات وقد يسبب ذلك بعض الألم أو المضايقات... فاخْتر نوعين من التأمل وتمسّك بهما لفترة من الفترات...
وفي الواقع من الأفضل أن تختار نوعاً واحداً فقط... اختر نوعاً يناسبك وكرره عدة مرات... عندها سيتعمق أثره فيك ويشفيك....
قد تجرّب عدة طرق معاً وكل يوم أساليب جديدة وتظنها مفيدة... وقد تخترع طريقة خاصة بك فتُضيّعك وتُربكك.. وفي الكتاب القادم "جواهر السّرائر" ستجد 112 طريقة جديدة للتأمل فلا تقوم بها جميعاً في نفس الوقت!!! سيقودك ذلك إلى الجنون والجنون فنون!

التأملات الموضوعة هنا ليست للهو والتسلية... أحياناً قد تكون مؤذية... لأنك تؤثر على آليات دقيقة مرهفة جداً من العقل... وقد يكون شيء صغير خاطئ تقوم به دون انتباه، يستمر بتسبيب الارتباك والتشويش لنفسك وصفائك... لذلك لا تحاول أبداً أن تخترع حسب أفكارك وأهوائك.. اختر طريقتين واستمر بهما لبضعة أسابيع حتى تنجلي مرآة سمائك...

مجال للحال

هناك عدة أشياء تساعدنا على التأمل، أولها تخصيص غرفة أو زاوية معينة من البيت للتأمل اليومي... على ألا تستخدم هذا المكان إلا للتأمل... لكل عمل طاقة وذبذبات معينة تشحن المكان الذي تعمل فيه... وهكذا ستنتظرك تلك الزاوية وتتلهف لعودتك إليها... وهذا هو سبب بناء المعابد والكنائس والمساجد... لخلق جوّ معيّن مخصص للعبادة والتأمل والصلاة...

وإذا أمكنك تحديد توقيت ثابت للتأمل سيساعدك ذلك كثيراً، لأن جسدك وفكرك عبارة عن آلية ميكانيكية تعمل حسب إيقاع معين...
عندما أقول لك أن تتأمل، أعرف أنه لا يمكن لأي شخص أن يصل من خلال التأمل، لكنك من خلال التأمل ستصل إلى نقطة لا يمكن بعدها القيام بأي تأمل!

كل يوم يبدأ جسمك بالصراخ طلباً للغذاء في ساعة محددة... حتى أنه أحياناً بإمكانك أن تختبره وتخدعه... إذا كنتَ معتاداً على تناول الغداء في الساعة الواحدة، فستشعر بالجوع عندما تأتي الساعة الواحدة حتى لو كانت الساعة معدّلة ولا تزال الحادية عشرة في الواقع... الجسد مجرد آلة وأنت آية خلقها الله بعناية... أنت الوعي الذي يقود هذا الجسد...

فكرك أيضاً آلة... تأمل في نفس المكان والزمان كل يوم وستصنع "جوعاً" للتأمل في جسدك وفكرك... كل يوم وفي الساعة المحددة سيطلب منك جسدك وفكرك أن تذهب إلى التأمل... وسيقودك العطش إلى النبع...
هكذا لتكن البداية... إلى أن يصبح التأمل شيئاً طبيعياً في حياتك... تستطيع أن تتأمل في أي مكان وزمان.. ويتحول كل عمل إلى عبادة...

في البداية استخدم هذه التقنيات وجهّز الجو المحفّز... أطفئ الأضواء وأشعل نوعاً خاصاً من البخور أو اللّبان... ارتدي ثياباً معينة مريحة الشكل والألوان... وإذا جلستَ فاجلس في الوضعية ذاتها... كل هذه الأشياء ستساعد التأمل لكنها لن توصلك إليه... وهي قد تناسبك أنت وقد تزعج شخصاً غيرك...
على المرء أن يجد طقوسه الخاصة به... وطقس العبادة ببساطة يعني جوّاً مريحاً يجعلك تهدأ وتسترخي... لا حاجة للتقيد والتعصّب لهذه الكنيسة أو لهذا الجامع... أينما تولّوا فثمّ وجه الله... فاختر أي مكان نظيف ترتاح إليه وفيه... وفي هذا الحال من السلام سيُفتح المجال للحال... وسيحدث الحدَث...
كما يحدث عندما تغفو أو عندما يقع قلبك في الحب... سيأتي الله إليك...
الله ليس ببعيد.. بل أقرب إليك من حبل الوريد...
ولن تستطيع أن تطلب حضوره ونوره بالطلب والفرض... لكن بالدعاء والحب...
الله هو المحبة والمحبة هي الله.....
وإدعوني.... أستجيب....

حُرّية وعفويّة

قد يصبح المرء متعلّقاً ومأخوذاً بالتأمل... وهذا التعلّق مشكلة كبيرة: لقد كان المال يمتلكك ويسيطر عليك، والآن أصبح التأمل هو الهاجس الوحيد... ومن صنم إلى صنم جديد!!
المشكلة ليست في المال، لكن الاستحواذ أو التملّك هو المُهلك.... كنتَ منغمساً راكضاً وراء التجارة والسوق... والآن أنت راكض ومندفع إلى الله والروحانيات.... أيضاً السوق ليس المشكلة بالذات... انتبه إلى وعيك وانظر إلى داخلك...

على المتأمل أن يكون حرّاً مستسلماً مشاهداً... غنيّاً مُستغنياً عن الدنيا وغير طامع بالآخرة....
طبيعياً غير مأخوذٍ لا بالفكر ولا بالتأمل....
وعندها فقط... في حال الرّضى والاكتفاء والاسترخاء دون أي أعباء.. عندما تكون كنهرٍ لا يحمل أي خريطة أو صفة إلا أنه ينهُر.... ستتحقق المعجزة الإلهية في قلبك وستعرف ربّك...

التأمل... فن النشوة والصحوة

التأمل ليس عمل بل استمتاع ونشوة وأمل...
التأمل ليس شيئاً تقوم به لتحقيق هدف ما، كالسلام.. أو السعادة...
لكنه شيء تقوم به وتبتهج فيه ويكون نهايةً بحد ذاته وزيادة...
الاحتفال هو أهم شيء يجب فهمه، وقد أضعنا جميع أبعاده...
والاحتفال هنا معناه القدرة على الاستمتاع لحظة بلحظة...
بكل شيء يأتي إليك... كأنك طفل بريء حديث الولادة...

المتأمّـل يعرف كيف يصـل

لقد أنار التأمل حياتي ودلّني على الطريق إلى ذاتي... فأعطاني كثيراً من الفرح وجمال الروح.... والآن، لقد أدركتُ أنني بحاجة لإرشاد شخصي من أحد المعلمين أو علماء النفس لكي يستجيب لي ولأسئلتي... أتمنى أن تعطيني رأيك في الموضوع...

بالنظر إلى الطريقة التي تنمو بها في صمتك... في تأملاتك.. وطريقة إحساسك بالجمال والامتنان..... لا تحتاج إلى أي مرشد شخصي أو نفسي..
إنك تحتاج لأن تكون منفتحاً أكثر فأكثر تجاه الكون الأبعد من حدود أي شخص وشخصية... فكرة المرشد الشخصي هي عادة فكرية قديمة لكي تكون متّكلاً على أحدٍ ما، وأنا هنا أحاول جاهداً أن أخلّصك من عاداتك.. التي تمنعك من اكتشاف ذاتك...

الكون بكامله يمكن أن يدلّك على الطريق، وأنت الآن في وضع يتيح لك أن تتصل مباشرة بالذكاء الكوني!
عندما يتعمّق شكرك وامتنانك.. عندما تحس بالنعمة تغمرك أكثر فأكثر وتملأ كيانك.. عندما يتعمّق الصمت فيك ويصل إلى الجذور... ستنطلق منك العطور ويكون الكون بذاته هو الذي يحملك بين يديه... فتنشرح الصدور....
هذه الأيدي المباركة غير مرئية لكنها موجودة... أنت لستَ يتيماً أبداً في هذا الفضاء الواسع... إنك مطلوب ومحبوب من قبل الحب الكوني.. ووسعَت رحمته كل شيء... وأنت أهم من كل شيء... لكنك الآن فقط غير مدرك لهذا الحب وهذا الدرب إلى الرب...

أقترح عليك أن ترمي فكرة المرشد الشخصي، لأن أي شخص سيحاول إرشادك وفق فكره الخاص، وفق أفكاره التي ستحدد لك سلفاً كيف يجب أن تكون وكيف يجب ألا تكون... وهذا ما قام ويقوم به جميع ما سُمّي بـ "المعلمين والمصلحين والمرشدين والمدرّسين" عبر العالم والتاريخ: يفرضون آراءهم وأفكارهم وأحكامهم وشرائعهم المسبقة على الناس الذين يبحثون عن الإرشاد!
إنها واحدة من أخطر الألعاب التي تجري في كل زمان، لأنك دائماً تكون فيها الخسران...

إذا نجح المعلم في فرض توجّهات ونماذج أو معتقدات معينة، فهذا برأيي ليس إرشاداً أبداً، بل هو إضلال وتضييع عن طريق الحق والصراط المستقيم... لأنه لا يوجد أي أحد يعرف نفسك الفريدة بذاتها.. وأنت فقط القادر على معرفتها وصيانتها... عليك أن تنمو بالوعي وفقاً لطبيعتك الخاصة وليس وفقاً لأفكار أيٍ كان مهما كان...

بالنسبة لي، أن تكون طبيعياً.. أن تكون عفوياً... أن تكون على الفطرة... هو أمر كافي وشافي...
جميع المرشدين كانوا غير مرشدين... وتستطيع رؤية ذلك بنفسك:
البشرية بكاملها تعيش في ظلام وضلال... وإلا لماذا يوجد كل هذا الجنون؟ لماذا ينبغي أن يوجد كل هذا البؤس والحروب، كل هذا الصراع والمعاناة الجسدية والروحية؟
السبب هو أنه لم يُسمح لأي إنسان أن يكون كما هو... أن يكون طبيعياً على صورة الله ومثاله... دون فرض أي أفكار... دون تشفير وتعليب للصغار والكبار...

ما يُسمّى بـ "الأديان الحالية" لا تثق بخلق الله ولا بالطبيعة

لم تعد هذه أديان بل بقايا أديان لا علاقة لها لا بنبي ولا بإيمان... مئات الأديان والألوان والطوائف التي طافت بها الأرض... إنها تثق بالنصوص المقدّسة لا بالإنسان ونفسه المكرّمة... بالكلمات الميتة المحرّفة على هواهم... والتي قيلت منذ آلاف السنين من قبل أناس لا نعرفهم شخصياً... ولا يمكنك أن تتأكد من أنهم شاهدوا أي حقيقية أم أنهم كانوا يختلقون الأوهام؛ ما لم تعلم الحقيقة بنفسك... لكن رجال الدين المتعصبين يستمرّون بقولبتك وتشفيرك وفقاً لأفكار ونماذج صُنعت في الماضي...
عملية القولبة هذه، لجعل الناس كاثوليكيين، هندوسيين، سنيين، شيعيين، بوذيين، كل مجموعة ضد الأخرى... تسير عكس حقوق الإنسان الأساسية... فهي لا تسمح لك بأن تكون ذاتك على طبيعتها وبركتها... وما لم تصبح ذاتك لن تكون سعيداً أبداً... ومن عرف نفسه عرف ربه...
أين هو إسلام الأمر إلى الحق؟؟ أين هو دين الفطرة والبساطة من هذه الأديان؟؟...

فكّر فقط... لو أن هناك معلّمين يعلّمون الأزهار أنها يجب أن تصبح وروداً جوريّة....
لحسن الحظ، الأزهار لا تبالي بالمعلمين وبهذه الشرائع المشرّعة بالجهل!...
لكن فكّر ولو للحظة: لو أنه يوجد أناس يقولون للأزهار أن تكون ورود، وللسنابل أن تتحول إلى أزهار... فما الناتج النهائي الذي تتوقّعه من كل هذه الوصايا والأفكار؟؟؟؟
ستحاول الأزهار أن تتحول إلى ورود، وهي حتماً لن تصير مثلها مهما حاولَت، فهذه ليست طبيعة ذاتها ومورثاتها...
إنها تستطيع فقط أن تكون أحلى الزهور، رائعة الألوان ومفعمة بالعطور...
لكن، إذا فُرضَت عليها فكرة أن تكون شيئاً آخر غير طبيعتها، فسيحدث شيئان:
لن تصبح وروداً أبداً، ولكن كل طاقاتها الحيوية ستضيع في محاولتها لكي تصبح ورود...
والشيء الثاني، هو أنها لن تبقى أزهاراً أيضاً! فمن أين لها بالطاقة لكي تكون أزهار؟ كل طاقتها ستضيع باستمرار... لتحقيق شيء مستحيل الحدوث... فيحدث لها الانفصام والدمار...

وهذا بالضبط ما قد حدث للبشرية............!!!
كل شخص يعطيك فكرة ما، وكل شخص مستعدّ لكي يقول لك كيف يجب أن تكون!!

كل "يجب" وكل "يجب ألا" علينا أن نتخلى عنها

ببساطة أصغي إلى صوتك الداخلي الخاص بك... وحيثما يقودك، اذهب معه... لا تُبالي برأي الناس وماذا سيقولون أنك على خطأ أم صواب... فأنت تنوي على الحج الداخلي وتعرف الباب... ولا تريد إلا رِضَى القلب الذي يهدي إلى الدرب...

إذا استطعتَ أن تصبح ذاتك فحسب... إذا استطاعتْ طبيعتك الجوهرية أن تُزهر فيك وتهبّ... عندها فقط ستحرز السعادة الحقيقية وتنتشي في الحب...
ستعيش في سلام لا يمكن التعبير عنه بالكلام... في جمال الحال ورقصة بلا غناء أو موّال وجوّال... لأنك ستكون مع الكون في اتصال ووِصال....
أن تكون متناغماً مع ذاتك هي الطريقة الوحيدة للخروج من الجنون ولكي تكون متناغماً مع الكون في مطلق الصمت والسكون...

لا أحد يحتاج للإرشاد الشخصي ولا إلى أي فتوى أو دعوة.... "استفتي قلبَك ولو أفتوك"...
جميع الإرشادات الشخصية هي مجرد أسماء جميلة للاتكال على شخص ما، وهذا الشخص سيشوّش حياتك ويضيّعك في متاهات الأفكار والتناقضات...

إنني لا أعطيك أي أنظمة أو تعاليم أو معتقدات أو شرائع... إنني لا أعطيك كلمات وأوامر بأنك يجب أن تكون هكذا أو غير هكذا...
ببساطة أقول لك أنك يجب أن تكون صامتاً، بحيث تستطيع سماع صوتك الداخلي الضعيف حالياً.... وهذا هو مرشدك الحقيقي....
مرشدك داخلك!.... استفتي قلبك ولو أفتوك...

أعرفُ مئات المحللين النفسيين وعلماء النفس ومَن يُسمّون أنفسهم مستشارين نفسيين... إنهم مُحمّلون بجميع أنواع المشاكل!، لكنهم قد تعلّموا التقنية، إما من مناهج التعليم في الجامعات أو من الكتب والمكتبات... ويستمرّون بإعطاء النصائح تلو النصائح... وإعطاء النصيحة شيء سهل جداً... كانت النصيحة بجَمل.. أصبحت بالجهل والهبَل!
لكن حياتهم الخاصة تختلف كلياً عما ينصحون به...
لو راقبتَ الحياة بتمعّن... كما راقبتُ أنا عن كثب حياة بعض الأشخاص مثل "سيغموند فرويد" أعلى مستشار نفسي في العالم، "كارل كوستاف جنغ، ألفريد أدلير، أسّاجيولي" وغيرهم من علماء النفس... لقد صُدمتُ عندما رأيت أن هؤلاء الناس قد أصبحوا مثالاً وقدوة لملايين البشر!!!

تذكّرتُ قصة صغيرة....
"وليام ريخ"، محلل نفسي شاب، كان متشوّقاً جداً لمقابلة سيغموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي.
درسَ ريخ في عدة جامعات وكان عبقرياً جداً، وربما أكثر عبقرية من فرويد ذاته.
كان فرويد كبيراً في السن، في آخر سنين حياته، عندما كان ريخ يطلب منه مقابلةً شخصية مرةً تلو الأخرى... وفي النهاية حصل على موافقته، مع أن الطريقة التي عامله فرويد بها غير إنسانية أبداً، لمجرد أنه كان شاباً صغيراً، على وشك التخرّج من الجامعة.

لقد أتى ريخ ومعه بعض الأسئلة الهامة، وفي ذهنه صورة عظيمة عن العالم الكبير سيغموند فرويد، كما كان من المفترض.
سأله: "لقد أتيتُ من مكان بعيد لأستفسر منك عن بعض الأشياء:
أولها، إنك تُؤكّد أنه ما لم يُحلّل الإنسان نفسياً وبشكل كامل، فلن يخرج أبداً من تعاسته وارتباكه... هل تستطيع أن تُريني إنساناً تم تحليله بشكل كامل، لكي أستطيع مقابلته ورؤية كيف تكون حالة الشخص النقي تماماً؟
لقد قرأتُ عن ذلك في الكتب، لكن ليس عندي أي تجربة شخصية في مقابلة إنسان متجاوز للتشويش والارتباك، وفي حالة صفاء وسعادة ونقاء."

غضب فرويد وقال: "ما هذا الهراء!.... التحليل النفسي ليس شيئاً بسيطاً. يستغرق الشخص عقوداً بحالها حتى يتم تحليله بالكامل."

صُدم ريخ، لكنه قال: "لقد كنتَ تعمل طوال حياتك، فهل حلّلتَ خلالها أي شخص بالكامل، فأستطيع أن أذهب لأراه؟ لأنه غير هذا لا يوجد أي إثبات لمصداقية ما تقول وتدرّس، من وجهة نظر علمية عملية."

وبرؤيته لفرويد يستشيط غيظاً... لأن فرويد لم يكن معتاداً على مثل هذه الأسئلة، وكان محاطاً دائماً بالأصدقاء المؤيدين المتفقين معه بالرأي واللذين يوافقون على كل ما يقول...
مهما كان الشيء الذي يقوله تافهاً، كانوا يقولون أن هذه هي الحقيقة العظيمة دون أي مناقشة!...
برؤيته لـ قــرويد الغاضب جداً، قال ريخ: "حسناً، انسَ ذلك الموضوع.... أريد أن أعلم ما إذا كنتَ أنت قد حُلّلتَ نفسياً بشكل كامل أم لا."
واضطر عندها فرويد أن يقول له: "اخرج من هنا! روح من هون ولاكّ! ولا تحاول أبداً أن تعود إلي مرة ثانية! إنك لا تعرف اللباقة أبداً!!"

في الحقيقة، كان زملاء فرويد يسألونه دائماً: "عندما كنتَ تقوم بتحليلنا نفسياً، أصبحنا نعرف التقنية جيداً، فلماذا لا يقوم أحدٌ منا بتحليلك أنت؟ إننا نحب أن نُلقي نظرةً على عالم أحلامك الداخلية، خيالاتك، رغباتك، لنعرف ما إذا كان ما تدّعيه من النقاء المطلق والسلام والكمال موجوداً داخلك أم لا..."

كان فرويد يرفض باستمرار الخضوع للتحليل مع أنه هو مؤسسه.... لماذا كان خائفاً جداً من خضوعه للتحليل؟
لقد كان يعلم جيداً أنه من السهل تقديم النصائح للآخرين، لكن من الصعب جداً أن تُغيّر ذاتك...
وكان هو يعاني من مشاكل البشر العادية نفسها، التوتر ذاته، التعاسة ذاتها، الكبت، والعقد النفسية، والمحرّمات ذاتها التي عند معظم الناس...
وكان خائفاً جداً من فتح عالم أحلامه، لأن ذلك سيُظهر أشياءً خفية... ويظهر أن فرويد مع أنه مؤسس التحليل النفسي، لم تكن حالته مثل الحالة التي كان يحاول أن يجعل الناس عليها.....
وهذه هي تماماً حالتنا اليوم الغارقة في النووووم...........
المحللون النفسيون أنفسهم يذهبون من فترة لأخرى إلى محلل نفسي آخر، لأنهم أصبحوا مُحمّلين كثيراً بالمشاكل!... ويالها من لعبة سخيفة تتكرر باستمرار... ضحيتها الإنسان البسيط الذي يصدق هؤلاء التجار...

عندما يقول الرسول أي شيء عن التفكّر والتدبّر والحِلم سيد الأخلاق.... وعندما يتكلم الحكماء وجميع الأنبياء والأولياء عن التأمل، فهذا ناتج عن تجربتهم الخاصة وليس مجرد نظريات فكرية وأفكار معلّبة وفرضيات!
عندما يتحدث الحكيم بوذا عن النور الداخلي يكون قد رآه فعلياً....
عندما يقول أنه من الممكن تجاوز الفكر، يكون فعلاً قد تجاوزه، وعندها فقط يقول ذلك...
والناس اللذين راقبوه باستمرار لمدة اثنتين وأربعين سنة لم يجدوا أي هفوة، لم يجدوه غاضباً أبداً، ولم يجدوا التعاسة أو الحزن بادياً على وجهه على الإطلاق...
لا يستطيع المرء أن يتظاهر لمدة اثنتين وأربعين سنة متواصلة، لأنه عندها سيحتاج إلى أيام عطلة!!... حتى التظاهر لبضعة ساعات بحالةٍ أنت لستَ عليها، يخلق فيك توتراً وعبئاً كبيراً يجعلك تنسحب وتكشف نفسك عند أتفه الأسباب...

هذا هو الفرق بين التوجّه الغربي في التحليل النفسي والنظريات... والتوجّه الشرقي في التأمل ومعرفة الذات...

وإليكم هذه القصة....

كان هناك امرأة قلقة جداً على ابنها الوحيد... حياتها كلها مكرّسة من أجله، والده ميت وهي التي تعتني به... ذلك الولد هو أغلى ما في حياتها، وأرادت له أن يصبح شيئاً كبيراً... وهي متأثرة كثيراً بحكيم صوفي كان أحياناً يزور القرية ولا يبقى فيها طويلاً...

كان ذلك الولد متعلقاً جداً بأكل السكاكر وكل أنواع الحلويات، وحاولَت أمه كثيراً مع كل الناس، الأطباء، المعلمين، الشيوخ... كلهم حاولوا، لكن الولد لم يبالي بجميع نصائحهم، واستمر بأكل السكاكر....

إنه الوحيد المدلل لدى أمه، لذلك كانت في النهاية تستسلم وتُعطيه ما يريد، وإلا فسيبقى جائعاً طول النهار...
لا يأكل أي شيء لا يرغب بأكله، ولا يأكل إلا ما يريد، ولا يحب إلا المأكولات السيئة غير المغذية والتي يمكن أن تسبب له المشاكل الصحية عندما يكبر....

أتى الحكيم إلى القرية خلال تجواله، وفكّرت المرأة أن هذه فرصة مناسبة...
فقد كان لذلك الحكيم هالة قوية وجميلة تحيط به، ولربما كان قادراً على تغيير فكر هذا الصبي الغبي....
أخذت الولد، وكانت قد أخذَته إلى عدة أشخاص، لدرجة أن ذلك أصبح أمراً متكرراً كل فترة.... وذهب معها ابنها لكنه كان رافضاً ومقاوماً بشدة، فالأمر أصبح مسألة انتقاص لشخصيته!
عندما أخبرت المرأةُ الحكيمَ عن الحالة، قال:
"عليك أن تسامحيني... فالآن لا أستطيع أن أقول أي كلمة لهذا الصبي الجميل.... صحيح أنني رجل كبير وعمري سبعون عام، لكن الأمر سيستغرق أسبوعين على الأقل حتى أصبح قادراً على قول شيء له"...

لم تستطع المرأة أن تصدّق ما سمعت!... فأي شخص، أي غبي، كان جاهزاً فوراً لتقديم النصيحة... وهذا الحكيم العظيم الذي يتبعه الكثيرون... يقول للصبي: "عليك أن تسامحني، لا أستطيع أن أنصحك الآن.... يجب أن تُعطيني أسبوعين على الأقل"..!!

تخلّى الولد عن ممانعته وتمرّده للمرة الأولى.... فهذه أول مرة يُحترم فيها، ويُقبل كإنسان محترم ليس تابعاً لأحد....
وقد كان الحكيم مهتماً بالفعل بإعطاء نصيحة قيّمة، لذلك يحتاج إلى أسبوعين على الأقل... وصُدمَت الأم تماماً، ولم تُصدّق أن هذا الحكيم العظيم لا يستطيع فوراً أن ينصح هذا الصبي الصغير بخصوص هذه القضية التافهة... لكنها لم تستطع شيئاً إلا الانتظار...

وبعد أسبوعين عادا مجدداً.... وهذه المرة أتى الصبي راكضاً مبتهجاً، وفي الواقع، كان متلهفاً جداً ولم يشعر بمرور الأيام، لأنه كان يريد أن يرى الحكيم الطيب مرة أخرى...
وقال لأمه: "إنه رجل مختلف تماماً عن كل الرجال الذين أخذتيني إليهم من قبل."
وكانت المرأة متفاجئة.. لأن الصبي كان رافضاً على الدوام والأيام، وكانت تجرّه رغماً عنه، لكنه هذه المرة، متلهّف جداً!! لا يستطيع الانتظار لأسبوعين... الأسبوعان كانا مثل سنتين بالنسبة له!

وأخيراً أتى اليوم المنتظر، ونهض الصبي باكراً وأخذ حماماً وبدّل ملابسه وتهيّأ بنفسه دون أن يطلب منه أحد... قالت أمه: "لماذا كل هذه العجلة؟؟"
فقال: "أريد أن أرى ذلك الرجل. إنه الشخص الوحيد الذي أحسستُ أنه يحترم الآخرين."

..خلافاً للذي جرى مع الصبي، نجد أن الحياة كلها نصائح وما حدا سامع... إن نُصح الآخرين هو نوع من الذل والإهانة، فهو يعني ضمنياً: أنا أعلم وأنت لا تعلم... أنا الدليل وأنت التابع الذليل... أنا المعلم وأنت التلميذ..... إنه استمتاعٌ بنوعٍ من الغرور على حساب إهانة وانتقاص الآخر.

ذهب الصبي مع أمه، وسألت المرأة أولاً: "قبل أن أسألك عن الصبي، أريد أن أعرف لماذا استغرق الأمر معك أسبوعين؟ هل المسألة مشكلة فلسفية كبيرة؟"
أجاب الحكيم: "لو أنها كانت مشكلة فلسفية لكنتُ قد أجبتُ مباشرةً، لكنها مشكلة وجودية واقعية!.... عمري أنا سبعون، والصبي سبعة سنين فقط.
لقد عشتُ عشرة أضعاف عمره ولا زلتُ أحب تناول السكاكر...
وطالما أنا بنفسي آكل السكاكر، فلا أستطيع قول أي شيء.
خلال هذين الأسبوعين حاولتُ ألا آكل السكاكر ورؤية ما سيحدث...
إن نصيحتي ستعتمد على تجربتي الذاتية، وليس فقط على الفكرة الشائعة حول سوء السكاكر...
نعم قد تكون سيئة، لكنني إذا لم أستطع أن أتخلى عنها وأنا رجل في السبعين من العمر، فلا أستطيع توقّع أن يتخلى عنها صبي صغير... لا أستطيع أن أنصح بهذا."

كان الصبي متأثراً بقوة بالحكيم... رجلُ في هذا العمر الكبير يعذّب نفسه لأسبوعين من أجلي؟!
وقال الحكيم للصبي: "يا بنيّ... الأمر صعب جداً. لقد استطعتُ أنا التخلّي عن السكاكر، وأستطيع الآن أن أتركها طوال حياتي الباقية، لكنني أشعر بالتردد في تقديم النصيحة لك...
إنك صغير جداً، ومن الصعب عليك أن تتخلى عن السكاكر إذا كنتَ تحبها، وإذا فرضتُ عليك هذه الفكرة أكون عنيفاً تجاهك ومنتقصاً لحقوقك وحريتك الشخصية.
لهذا كل ما يمكنني قوله هو أن الأمر جيد وصحي لكنه صعب جداً.
إنه تحدّي... تستطيع أن تختار ما إذا كنتَ مستعداً للتحدي أم لا....
لقد تخلّيتُ أنا عنها تماماً ولن أعود إليها طوال ما بقي من حياتي، والآن فقط، لديّ الصلاحية في أن أقول لك بأنك أيضاً تستطيع التخلّي عنها... لكن الأمر عسير بالتأكيد...
هل تقبل المغامرة؟ هل أنت مستعدّ للتحدي ولتقول للببسي كولا أنا أكبر منّك وما حدا قدّي؟؟"

قال الصبي: "إنني أتخلّى عنها في هذه اللحظة، ولكامل حياتي... إذا استطعتَ أنت أن تتخلّى عنها، فلماذا لا أستطيع أنا؟.. إنك كبير جداً في العمر، وأنا شاب صغير... أنت تضعف كلما كبرتَ وأنا أزداد قوةً... أستطيع القيام بالتحدي ولا تقلق لهذا الأمر أبداً."

وأيضاً لم تستطع الأم تصديق ما يحصل: إنها لمعجزة... الصبي يحاول إقناع الحكيم بأنه قادر على هجر السكاكر!!!!

قال الحكيم: "شعوري يقول لي أنه عليك أن تفكر بالأمر لأسبوعين... حاول.."
قال الصبي: "لاااااا.... إنني أتخلى عنها في هذه اللحظة وفي حضورك وبركتك."

إن الناس الذين تذهبُ إليهم للاستشارة الشخصية هم في نفس القارب الذي أنت فيه...
ولديهم مشاكلك ذاتها... فكيف يستطيع الضائع أن يدلّ الضائع؟
هنا، بين المستمعين، لدي جميع أنواع المعالجين النفسيين، وهم جيدون تقنياً في عملهم... يعرفون كيف يساعدون الناس، لكنهم لا يعرفون كيف يساعدون أنفسهم!
يكتبون إلي مشاكلهم، وهي نفس المشاكل التي من المفترض أن يكون خبراء جيدين في علاجها!!
إن معرفة شيء ما تقنياً هو أمر، ومعرفة شيء ما وجودياً وتجريبياً أمرٌ آخر تماماً...

بالنظر إلى حالتك الراهنة، أنت تسير في الطريق الصحيح... هذه إشارات جيدة بأنه عندك حسّ الاتجاه، الفرح، الامتنان للنعمة وغيرها... هذه علامات تدل على أنك على الدرب السليم ولا تحتاج أي إرشاد شخصي.
تحتاج لأن تكون ذاتك أكثر فأكثر، أكثر توحّداً معها، وطبيعياً وعفوياً أكثر....
لقد وجدتَ الطريق، والآن بإمكان أي شخص أن يُربكك ويُضلّك.
قد تذهب إلى معلم أو مستشار لم ينمو إلى الدرجة التي وصلتَ إليها، لكنه متعلّم ومثقّف جداً! خبرته كبيرة ويستطيع أن يتكلم كثيراً عن عدة أشياء وبهذا يضلّك عن الطريق...

المتأمل لا يحتاج لأي إرشاد شخصي... بل على العكس، يحتاج إلى شيء واحد فقط: وهو الجوٌّ التأملي في صمت وعطر ونور....

يحتاج إلى غيره من المتأملين ليحيطوا به...
لأن أي شيء يحدث داخلنا لا يحدث فقط داخلنا.... بل يؤثر على الناس القريبين منا.
في بيت الجماعة هذا، تجد أن الناس في عدة مراحل من التأمل.
عندما تتأمل معهم.. مجرد أن تجلس صامتاً بينهم... ستُجذب تلقائياً نحو جوهر طاقاتك الكامنة....
إنني لا أريدك أن تصبح شخصاً آخر كبوذا أو المسيح... بل أريدك أن تصبح ذاتك فقط، إنساناً مجهولاً، ليس شخصاً مشهوراً، لكنه في قمة الغبطة والسعادة...
وأنت تسير على الطريق الصحيح...
أخذتَ بضعة خطوات والآن عليك فقط بالتقدّم واثقاً من نفسك، وستتعمّق ثقتك مع كل خطوة تخطوها....

لا تسأل أبداً عن النصيحة، لأن كل شخص مميز ومختلف جداً... فلم يوجد أي شخص مثلك من قبل، ولن يوجد أبداً... لهذا فعلاً لا يوجد أي دليل بإمكانه إرشادك.
لكن الله رحيم جداً.. لقد أعطاك كامل برنامج حياتك بهيئة بذرة صغيرة...
إذا لم تسأل أي شخص، واكتفيتَ بالاستماع بصمتٍ لقلبك وتبعته باستمرار، ستصل إلى مكان تشعر فيه بالأمان وكأنه بيتك... مكان تُدرك فيه مَن أنت... وتشعر بتناغم تام مع الكون بكامله...

ستجد تناغماً مع كل ما هو طبيعي من أشجار وغيوم وجبال ومحيطات...
ولن تجد أي تناغم مع الآلات والحواسب الضخمة والمصانع والسيارات والقطارات!!
طبعاً لن تجد أي انسجام لأن هذه الأشياء لا قلب لها ولا حياة...
لا تعرف أن تغنّي ولا تعرف أن ترقص... هل سبق لك أن رأيت أي كمبيوتر يرقص؟؟!!
هل سمعتَ من قبل أن كمبيوتراً قد وقع في حب كمبيوتراية؟؟
الآلات فقط ستُحذف من عمق ذاتك وستنجلي مرآتك....


لن تجد التناغم إلا مع كل ما هو طبيعي وينمو.... مع كل ما يُزهر ويتنفس ويتحرك...
مع كل شيء فيه نبضة قلب... وستذوب نبضات قلبك مع نبضات الكون.... فهل تحتاج إلى استشارة شخصية!؟!

أنا لستُ مستشاراً!... ولم أفكر في أي لحظة من حياتي أنه يجب على شخص ما أن يكون مصنوعاً حسب أفكاري...
إنني فقط أشاركك بأفكاري وتجاربي، لكن لا أدعوك لأن تكون نموذجاً مثالياً ما، بل أشاركك كرفيق في الطريق... قد تتناغم هذه الأفكار معك، وقد تجد أنها تنصبّ مباشرة في وعيك وتشعر أن هذا شيء طبيعي جداً بالنسبة لك، وأنك لم تكن واعياً له، وقد أصبحت واعياً الآن....
لكن عندها لن تكون هذه أفكاري بل أفكارك الخاصة بك أنت والتي لم تكن واعياً لها...
إنني أشاركك أفكاري، لا لكي أقولبك في نموذج معيّن، لكن لكي أعطيك بصيرة عميقة ترى بها طبيعتك الخاصة بك...

إنني أعرف ذاتي وطبيعتي، أعرف أن كل من تمنّى لي الخير، وأهلي وأساتذتي، زملائي البروفيسورات وأصدقائي... جميعهم بذلوا أقصى جهودهم لجعلي شيئاً آخر....
وأنا ممتنّ جداً للكون بأنني لم أستمع لأي منهم، وبقيتُ ببساطة أستمع إلى صوتي الداخلي... ولم أهتم أبداً ما إذا كان سيقودني إلى الجنة أم النار، لأن شعوري هو أنه إذا كانت طبيعتي ستقودني إلى النار، فعندها سيكون هذا هو المكان الذي أنتمي إليه، وسأكون غريباً في الجنة ولن أتلاءم معها!

أي مكان ستقودني إليه طبيعتي هو المكان الذي سيعطيني إحساس الفرح وإحساس أن الحياة لها معنى كبير وروعة هائلة، أن مجرد الشهيق والزفير هو معجزة بحد ذاته.....
وأنه لا شيء أكمل من وصولك إلى أوج طبيعتك الذاتية....

تجنّب الناصحين! وما أكثرهم من حولك لدرجة أنه إذا طلبتَ منهم النصيحة أم لم تطلب، سيقدمونها لك فوراً!!!
الناس يحبون إعطاء النصائح، ففي ذلك نوع من المتعة... الناس يحبّون صنع نسخ كربونية عنهم، وسيشعرون بفرح كبير بأنهم هم الأصل وكل الآخرين ما هم إلا نسخة، وعلى الأكثر نسخة أصلية عنهم!

إن لديك أصلك الخاص بك فقد خُلقتَ بأحسن تقويم...

من الجيد أن تتذكر هذا دائماً...

لا تُعاكس أبداً مشاعرك الداخلية...

قلّةٌ قليلة من الناس في العالم قد تفتّحت أزهار قلبهم، والسبب هو أن قليلاً جداً من الناس كانوا متمرّدين كفاية ضد من يُسمّون أنفسهم "ناصحين"...
قليل من الناس تجرّؤوا على شقّ طريقهم الخاص ولم يتبعوا الطريق العريض الذي تسير عليه الأكثرية.... لكن أولئك القلّة وخاصّة الخاصة هم الذين ساعدوا البشرية فعلاً... هم الأنبياء والعلماء والأولياء.... هم الأذكياء الذين قدموا الكثير من الفائدة وساهموا بتطوير الحياة...
قُم بحذف أولئك الناس، وسيرجع الإنسان إلى ما كان "داروين" يعتقد أنه البداية التي تطور منها ليصبح كائناً بشرياً!

ولا بد أن الحشود قد ضحكت في ذلك الوقت أيضاً... عندما هبط أول قرد من الأشجار ووقف على الأرض على قدمين! لا بد أن كل جماعات القرود قد ضحكت وقهقهت عالياً:
"انظروا إلى هذه الشخصية الغريبة! انظروا إلى هذا الأحمق الذي يسير عكس التقاليد، عكس أسلافنا، عكس "ما وجدنا آباءنا عليه"... عكس ديننا، عكس عرقنا وجنسنا...."
لكنهم أيضاً لا بد وأنهم أدانوا ذلك القرد الذي تمرّدَ ضد تراث القرود وحضارتهم، ولا بد أنهم قالوا:
"لقد سقطتَ وهبط مستواك... أصبحت غريباً عنا فارحل من هنا وإلا ذبحناك وصلبناك..."
طبيعياً، لقد هبط من الأشجار إلى الأرض، وبمرور الوقت، بالتأكيد أصبح أضعف...
القرود أقوى بكثير مما أنت عليه الآن، لا بد أن يكونوا كذلك، لأنهم يقفزون باستمرار من شجرة إلى شجرة... أما أنت فعليك القيام بأشياء أخرى، ولا تستطيع إجراء ذلك القفز الآن!

أنت غير قادر على ذلك لتغيُّر طبيعة جسمك...
لكن القرد الأول الذي هبط لا بد أن يكون ذكياً! لا بد أنه أراد استكشاف الحياة بذاته، ورفض أن يسير مع الحشود والجماهير...
القرود الآخرون لا يزالون متعلقين بالأشجار، طبعاً هم الناس التقليديون المتعصبون! إنهم لا يزالوا يؤمنون ويتعلقون بأسلافهم وأجدادهم، يؤمنون بماضيهم الذهبي ولا يريدون أي تغيير....
للتغيير، يحتاج المرء إلى الشجاعة، لأن يكون وحيداً وأن يشق طريقه بنفسه...
فاصنع طريقك بأن تسير فيه وتقص ما يعترضك من أشواك الزمن، ولا تبحث عن طريق مسبق الصنع.... بالرغم من أنه قد يكون ساعد غيرك، لكنه حتماً لم يكن مصنوعاً من أجلك.

إذا استرجع المرء بعضاً من كرامته واحترامه لذاته، عندها لا حاجة لأي شخص لأن يعلّمك أو يساعدك... إنك قد خُلقتَ ككائن متكامل، مع كامل المخزون الكامن الضروري لحياتك... عليك فقط أن تعمل على الكامن فيك، وستجد الهدف وما يكفيك...

"تولوستوي" كان قد قال... لكن في البداية دعوني أعطيكم لمحة صغيرة عن حياته...
كانت حياة تولستوي أتعس حياة على الإطلاق...
وُلد في عائلة غنية جداً، من أقرباء العائلة المالكة، وكان هو ذاته "كونتاً" كبيراً وزوجته "كونتيسة".... وكلا عائلتيهما كانتا من أغنى عشر عائلات في روسيا، لكنه مع ذلك كان تعيساً جداً...
لم يستطع أن يعيش حياته مع عائلته وخاصة زوجته، والسبب ببساطة هو أنهما من طبيعتين مختلفتين تماماً...
حتى أن زوجته لم تكن قادرة على مجرد النظر إليه!
بالنسبة لتولستوي ذاته، كان يتصرف كالقدّيس: يرتدي الثياب البالية كالمتسول، مع أحذية مستعملة، ويعيش حياة أقرب ما تكون إلى حياة المتسولين في الشوراع.
وطبيعياً، لم تكن زوجته قادرة على احتماله... لأنها كانت تعيش كالملكة، وكانت من أثرى نساء روسيا...

لكن تولستوي كان "غاندياً"! نعم ستتفاجأ من هذا الخبر...
مع أن غاندي أتى في وقت لاحق في آخر أيام تولستوي، لكنهما كانا قد تبادلا بضعة رسائل... وأعلن غاندي أنه قد تأثر بثلاثة معلمين، واحد منهم هو تولستوي، والثاني "هنري ثوريو"، والثالث راهب يدعى "شريماد راجشاندرا".
كان مهاتما غاندي يعمل في جنوب أفريقيا لكنه كان متأثراً جداً بنمط حياة تولستوي.

كانت زوجة تولستوي غاضبة منه جداً لدرجة أنهما لم يكونا يتحدثان أبداً... الحديث يعني القتال! فطبيعتاهما مختلفتان تماماً...
حاول تولستوي جاهداً أن يجعل زوجته تعيش حياة بسيطة، حياة فقيرة، لأن:
"الفقراء مباركون". كان تابعاً متعصباً جداً للمسيح...
حرفياً، كان يعيش حياةً فقيرة، وكانت الزوجة تشعر بالاشمئزاز منه!
لقد أرادَت منه أن يعيش كأمير كما كان هو فعلاً بالأصل... وتعاركا طوال حياتهما، وكل منهما يحاول أن يصنع الآخر وفقاً لآرائه وأفكاره..
وهذا مثال شديد القوة، لكن هذه هي قصة كل العائلات:
لا يُسمح لأحد بأن يكون ذاته، ويستمر الناس بالتحكّم به.

"مانيشا" (واحدة من الجماعة هنا) تكتب كتاباً عن تجاربها معنا... وفي البارحة تماماً سمعتُ أن أمها في ملبورن في أستراليا، بعثَت إليها برسالة غاضبة: "في البداية جعلتيني مُدانة من قبل المجتمع المسيحي هنا في ملبورن، والآن تكتبين كتاباً كما سمعت.. هذا يعني أنك ستنشرين الموضوع للعالم بكامله وخصوصاً هنا في ملبورن حيث عليّ أنا أن أعاني بسببك!".

وهذا لم يكن حالة نادرة أبداً!، فـ "ديڨاغيت" أيضاً قد تلقى رسالة من أمه تقول فيها:
"توقف عن كتابة الكتاب." لأنه هو أيضاً يكتب كتاباً.
والآن هؤلاء الأمهات المسكينات قلقات جداً: ماذا سيكتب عنا هؤلاء الناس؟؟؟
لا بد أن هذا خوف عميق بالنسبة لهن... بالإضافة إلى أنهم سيظهرون أن الدين المسيحي لم يعد مجدياً، وأننا نحتاج شيئاً جديداً منفصلاً تماماً عن الماضي... وهذه هي الحرية التي نتعلمها هنا، لهذا لا بد أن يكونوا خائفين من الحشود، من الكنيسة، من المصلّين ورجال الدين، الذين سيقولون:
"انظري إلى ما قد فعل ابنك أو ابنتك، إنك لم تُربّيهم بشكل جيد، وقد ضلّوا الآن".!!

كل شخص معنيّ بأنه يجب ألا يضل أي شخص آخر عن طريقه!

وماذا يعنون بكلمة ضالّ؟؟ يعنون أنك يجب ألا تذهب باتجاه مخالف لاتجاه مسيرهم هم.
وأنت تعلم أن حياتهم كلها بؤس وتعاسة، وأن فكرهم مليء بالقلق والهمّ، ولم تراهم أبداً فرحين...
لم تشعر أبداً بتناغم عميق مع والديك... وقد حاولوا بشتى الطرق، وطبعاً في لحظات ضعفك لأن كل ولد ضعيف، حاولوا أن يدفعوك إلى الطريق الذي يعتقدون أنه الطريق الصحيح...

لكن حياتهم بكاملها تثبت أنهم لم يكونوا على حق.
لو أن حياتهم كانت حياةً من الفرح والاحتفال والغناء، لكان أولادهم قد تبعوهم دون أي عقوبات أو تهديدات ودون أي تعذيب وفرض للأفكار والقيم...
ومانيشا وديڨاغيت لم يعودوا أطفالاً الآن، لكل منهما حياته الخاصة التي يحب أن يشاركها مع العالم بأسره.... فلماذا على أمهاتهم أن يقلقوا حيال الموضوع؟؟ ماذا يخيفهم؟

...قال تولستوي:
"جميع العائلات السعيدة تشبه بعضها البعض، لكن كل عائلة حزينة تكون حزينة بطريقتها الخاصة المختلفة عن غيرها."
إنني لا أستطيع أن أوافقه على هذا القول، بل أفضّل أن أغيّر الجملة بكاملها وأقلبها:
جميع العائلات الحزينة تشبه بعضها البعض، لكن كل عائلة سعيدة تكون سعيدة بطريقتها الخاصة المميّزة عن غيرها!

والأمر نفسه صحيح بالنسبة للأفراد: جميع الناس التعساء يشبهون بعضهم البعض، فقط السعداء هم الذين لديهم التميّز... فالسعادة والنمو باتجاه الفرح والنشوة الروحية تجعلك فرداً مميزاً جداً في عالم مليء بالتعاسة...

تذكّر دوماً، جميع جهود ومحاولات التحليل النفسي وغيره من العلاجات، وجهود من يُدعون بالرجال الحكماء ليست إلا محاولة لإبقائك "عادياً"، ولمساعدتك لتبقى جزءاً من الحشود أي غنمة في القطيع!
في اللحظة التي تحاول فيها أن تصبح فرداً سوف تُدان، لأن خمسة بلايين شخص لا يمكن أن يكونوا على خطأ... على الرغم من أنهم يعانون جميعاً في نار الجحيم!....

انتبه! الرقم لا يمكن أبداً أن يدلّك على الحقيقة الحقيقية...

قال "رالف والدو إيميرسون": أن تكون عظيماً يعني أن تكون دائماً "مُساءَ الفَهم"...
أعرفُ رجلاً طيباً جداً.....
كان في الهند رجلان فقط محترمان جداً لدرجة حمل لقب "مهاتما"، الذي يعني الروح العظيمة.
أحدهما كان مهاتما غاندي، والآخر كان مهاتما بهاغوادين.
لقد كنتُ متعلّقاً جداً بـ مهاتما بهاغوادين، لأنه كان طيباً جداً تجاهي...
كنتُ ولداً صغيراً عندما أصبحنا أصدقاء لأنه أقام فترة مع عائلتي...
كان قد أتى ليُلقي بعض المحاضرات في البلدة، وكنا نتنزّه معاً كل صباح، وبالتدريج، نسينا تماماً أنه كبير في العمر وأنني كنت صغيراً، وبدأنا بالنقاش والجدال...

منذ فترة ليست بعيدة، كنتُ ماراً بالقرب من قريته، وسمعتُ حينها أنه مريض جداً وعلى فراش الموت، لذا توقّفتُ وذهبتُ لرؤيته.

كان على وشك الموت، أقرب ما يكون إلى الهيكل العظمي... فتح عيناه وأمسك بيدي وقال: "إنني قلق عليك، قلق لأنهم سيُسيؤوا فهمك طوال حياتك... لا يزال لديك بعض الوقت لتتفق مع الناس في المجتمع، بغضّ النظر إن كانوا على صواب أم على خطأ."
وكان قوله ناتجاً عن عطفه ومحبته لي.. وقال: "لأنني قد عانيتُ طوال حياتي، وأُدنتُ كثيراً، لا أريدك أن تُدان وتُعذّب أنت أيضاً."

فقلتُ له: "هل تريدني أن أكون مُنافقاً ومحترماً؟ هل تريدني أن أكون شيئاً مختلفاً عن طبيعتي؟"

قال: "عرفتُ أنك ستجادل، وأعرف أنك على حق.... إنه مجرد شعور أبويّ، لقد عانيتُ طوال حياتي لأنني كنتُ دوماً إلى جانب حركات الأقليات، والأيديولوجيات الغير شعبية... وأنت أخطر مني بكثير.... أنت ضدّ الجميع!!"

أجبته: "يجب أن أكون ضد الجميع... لأنني يجب أن أكون ذاتي فحسب... وأي شخص يريد جذبي باتجاه مخالف ليس صديقي." كما قلت له: "إنني أتفهّم محبتك لي، لكن عليك أنت أيضاً أن تفهم حالتي. إنني أفضّل أن أُدان من قبل الدنيا كلها على أن أعاكس طبيعتي... مَن يُبالي ويسأل عن الدنيا وناسها؟؟؟! لن يستطيعوا إع�

f