الأمل - مترجم عن أوشو  (قائمة المقالات)

 

الأمل في المستقبل لا يقودنا الا إلى خيبة أمل....
يحدث النضج تلقائيا عندما نبدأ بعيش حياتنا بدون أمل... فالأمل أمر طفولي جدا..
و عندما تصبح ناضجا كفاية لن تسلط أملك في مستقبلك... و في الحقيقة فنحن نصل إلى مرحلة البلوغ عندما لا يكون هناك مستقبل نخطط من أجله..
فالحقيقة الوحيدة بين يديك هي أن تعيش اللحظة دونما ارتباط بماضي و لا بمستقبل..
إن علاقتك بالأمل و المستقبل سيجلب لك الأفضل هو نتاج لما زرعته فيك الأديان,
فهي ليس لها أي بنيان يجعل منك واعيا لما أنت عليه الآن في هذه اللحظة...
فالكتب المقدسة ... تجعل منك عبدا يسعى وراء مستقبلا أفضل و حياة أخرى تتمتع فيها بالرفاهية و كل ما حرمت منه و غاب عنك ...
لكن الإنسانية أصبحت شيئا ما متيقظة لهذه الأحلام و الأوهام... و أصبحت هناك حاجة
لدين تتعايشه بيقين... دونما التأمل في أي مستقبل... كما تعهدته كل الأديان..
و أصبح الإنسان بحاجة إلى دين التوحيد الذي يوحده مع نفسه و مع كل لحظة... بأن تكون حاضرا وواعيا لما أنت عليه الآن...
فليس هناك أي مكان آخر ستذهب إليه و ليس هناك حياة أخرى ستعيشها فقط سوى هذا المكان و في هذا الزمان...
فروح الحياة يجب أن ينبض في كل لحظة في هذه اللحظة...
و الذي يجعل من الحياة دون مغزى أو هدف و غير واضحة و يفصلها عن حقيقتها هو
الماضي و المستقبل... تصبح للحياة هشاشة تعيشها بصورة غشاشة.. و لن يكون هناك حينها أي سعادة في الحياة, فالسعادة تعني بأن تعيش الحياة بعمق و تعمق دون تعلق ...
و ستفقد الحياة جاذبيتها و معانيها إذا ما ضللنا نعيش المستقبل و نسينا مستقبلنا في حاضرنا... و إذا ما توحدت مع كل لحظة, فلن يكون هناك حاجة للمستقبل ثم سيكون هناك منعطف يعطف بك إلى التبديل و التحويل لتكون أصيل و تصبح تلك اللحظة هي
الأبدية و الكلية... فقط نحن بحاجة لان نكتمل معها و فيها...
فالمستقبل ليس إلا محاولة لتحسين و تزيين تجارب قد مرت عليك في الماضي و تتمنى أن تكون على مستوى أفضل مما كانت عليه ... و بذلك يبدأ الأمل يتخذ مكانه في
حياتنا... و لن يكون إلا دائرة لإعادة أحياء الماضي بصورة أفضل...

لربما أحببت شخصا بالأمس و تعلم بأن الماضي لم يسري على مسرى حسن ..
فلهذا تصنع الأمل في المستقبل بتكرار هذه التجربة بصورة أفضل مما كانت عليه...
و الشيء الذي فقدته في الماضي قد كون لك فجوة فارغة تشعر بها في ضياع و بأنها تعذبك... و تتأمل في تكرار ما حدث لكن بصورة أفضل لمليء ذلك الفراغ الذي تشعر به... و لكن هناك شيئا دائما ما تفتقده ما بين الحاضر و المستقبل و هو الحاضر...
لما لا تعيش الحاضر في هذه اللحظة فأنت لا تملك غيرها...
لأنه ما سيحدث في هذه اللحظة سيصبح الماضي بالنسبة للغد.... و اللحظة إذا تعايشتها بيقظة فلن تكون ماضيا و لن تكون مستقبلا بل الاكتمال بها و فيها ..
فهذا الاكتمال و التكامل مع اللحظة هو الذي يحررك من كل القيود التي كبلك بها
الماضي.. و لن يكون هناك أي حاجة لتذكر الماضي لأنه اكتمل حاضره في لحظته..
فنحن دائما نسعى لتذكر الأشياء الضائعة و الناقصة في حياتنا...
فالعقل دائما يميل إلى التكميل , و قد مرت عليك العديد من التجارب الناقصة في حياتك...
فلهذا يكون الأمل بإنجاز ما تبقى في المستقبل..
إن الماضي مضى, و ليس هناك طريقة لاستكمال و عيش ما انقضى... و بذلك تضيع
عليك عيش اللحظة فهي كالقطرة تنزلق منك بسهولة فلهذا لا نرى هناك إمكانية باستكمال الكمال في اللحظة..
و ترسم المستقبل بخط عريض و طويل جدا... فلهذا يمكنك أن تخلق حياة أخرى و عالما أخر من الخلود إذا رغبت بذلك... و عندها ستكون في راحة .. و ستشعر بعدم التشتت و الضياع و الارتباك... و يصبح أملك و حلمك كله في الحياة الأخرى...
و بهذا الشكل تحصر نفسك في نمط خاطيء ... إن الأمل يقسمك و يجعلك تعيش بطريقة غير صحيحة, فلهذا إذا كنت راغبا بأن تعيش حياة بدون أمل... فعش
الحاضر و اللحظة بكل كيانك فلن تترك شيئا لتفقده و تتفقده مستقبلا...
و ستتقدم قدما نحو الغد دونما ان تحمل أي حمل معك... و عندها لن يكون هناك أي مطاردات و مضايقات من الماضي لأنه ليس لها أي مردود مستقبلا...
و علينا تفهم هذا الشيء و هو ان الأمل مرض عقلي... فهو يمنعك من أن تعيش
فالأمل ليس بالصديق الذي يفسح لك الطريق بل يصنع لك المضيق..
و بسبب الأمل تستمر بتأجيل كل ما ترغب القيام به... و سيصبح هذا منوالا في سير حياتك و لكن يكون هناك أي تغيير في الغد... لأنه غدا نفس المنوال ستكون نفسه
ستأمل بالأفضل في المستقبل متناسيا ما كنت تأمله في الغد قد أتى و أصبح اليوم..
و يمكن لهذا الأمل أن يجرك على طول الطريق و يستمر إلى ما لا نهاية حتى الخلود...
فالحل بالتوقف عن الأمل و التأجيل فليس هناك أحد يعلم ما قد يكشفه لك المستقبل... فهو افتتاحية, لفتح كل البدائل و الوسائل التي قد تفتح لك طريقا أخرا لم تتوقعه...
و ليس هناك أحد يمكنه توقع ما قد يجلبه الغد...
فلهذا نرى الناس ملهوفين بالمنجمين, لأنهم يعتبرون التنجيم له قوة عظيمة إلا أنها
عقيمة ليس لها أي قيمة... فالناس ليست واعية بأنها ضائعة تأمل دائما بالراحة و الأمان في الغد لطالما لم يكن هناك له أي أثر في الماضي... يرغبون بمعرفة مفاتيح المستقبل
ليستقبل كل منهم المستقبل دون ارتباك أو ضياع و تحضير كل ما يلزم ترتيبه له
كي يكونوا على وفاق و اتفاق بما ستسري عليه حياتهم...
و كل هذه المعتقدات ستظل بالاستمرار دونما استقرار, حتى لو أتبت علميا عدم صحتها.. لأنه الأمر من أساسه ليس علمي بل يعود إلى الأمل الإنساني..
و ما لم يتم التخلص من هراءات التنجيم فسيضل الأمل يترصدك فيبني قوة عظمى في عقلك.. فالعقل دائما ما يسعى إلى الراحة و الأمان و عدم الخوض في تجارب تؤدي على الفشل ... و بذلك يصنع لك أملك في مستقبلك... و تأجيل الأمور لتكون
أفضل في المستقبل...
لذا فأحذر من الأمل فهو يصنع لك شباك لفخ عظيم لا يجعلك تستقيم...
فالأمل يقيدك و يحط بك إلى مستوى العبودية.. و عند تحررك من الأمل فلن تجد
هناك أي مكان لتذهب إليه... سوى أن تعيش هذا الزمان و هذه اللحظة بيقظة..
الإنسان دائما ما يتوق إلى شيء أبعد من الخيال إلى مكان أفضل هذا ما جعله
يصنع الجنة .. توقا منه لحياة أخرى يلقى فيها كل ما يتمنى... و لقاء الله في ذلك المكان ... متجاهلا بأن الله لم ينفصل عنا أبدا بل متواجد معنا في كل لحظة.. و أنت لست بحاجة لمكان أخر للقياه... فالله محيطا بك و أنت تتغيب عنه... لأنك متغيب عن أن تكون حاضرا لما أنت عليه...
فنحن دائما ما نتعايش أبعادا مختلفة ...
فإذا حصرت وجود الله في الماضي و المستقبل فلن يكون عندها إلا إلها خلقته بنفسك
و حصرته إلى موضع الإنسانية كي تجعل له صورة معينة محصورا في زمان و مكان و بنيان... أما إذا تعايشت اللحظة عندها ستعلم الألوهية المطوية في كيانك و سيصبح
كل شيء مقدس.... فلهذا لنصل علينا التخلص من الأمل..
و بتخلصنا من الأمل سنزيح عن أعيننا ستارة لطالما كنا بها مخفين و عن حقيقتنا مضللين... و سيصبح لنا كيان جديد سنرى العالم من حولنا بنظرة شاملة مختلفة عن ما عاهدناه سابقا ... فكل ما نراه سيستنير بنور الهي مقدس.. و كأن عيناك كان عليها غبار
منعتك من رؤية أسرار جمال الكون الذي يحيطك من كل مكان...
و لكن البعض يظن بأنه عندما نمحو الأمل من حياتنا سيكون ذلك مجلبة لليأس في حياتنا ... فهذا الشيء ليس صحيح.. فاليأس ليس إلا خيبة أمل من عدم رؤية و تحقيق
ما كنا نأمل ..
فاللحظة التي تتخلص فيها من الأمل, لن يعود هناك يأس في حياتك فلو اجتمعت في كيان واحد مع كيانك .. فسترى عندها أن اليأس و الأمل لا وجود لهما في حياتك..
فتلك اللحظة من أجمل لحظات الإنسان عشقا وولها و هي التي يعرف بها نفسه و ربه.

f